responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 367
بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الفلق
مقدمة قَبْلَ الْخَوْضِ فِي التَّفْسِيرِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ فَصْلَيْنِ:
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَارِفِينَ فَسَّرَ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ عَجِيبٍ فَقَالَ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا شَرَحَ أَمْرَ الْإِلَهِيَّةِ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ذَكَرَ هَذِهِ السُّورَةَ عَقِيبَهَا فِي شَرْحِ مَرَاتِبِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ فَقَالَ أَوَّلًا: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَذَلِكَ لِأَنَّ ظُلُمَاتِ الْعَدَمِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي فَلَقَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ بِنُورِ التَّكْوِينِ وَالْإِيجَادِ وَالْإِبْدَاعِ، فَلِهَذَا قَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ثُمَّ قَالَ: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ عَالَمَ الْمُمْكِنَاتِ عَلَى قِسْمَيْنِ عَالَمُ الْأَمْرِ وَعَالَمُ الْخَلْقِ عَلَى مَا قَالَ: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الْأَعْرَافِ: 54] وَعَالَمُ الْأَمْرِ كُلُّهُ خَيْرَاتٌ مَحْضَةٌ بَرِيئَةٌ عَنِ الشُّرُورِ وَالْآفَاتِ، أَمَّا عَالَمُ الْخَلْقِ وَهُوَ عَالَمُ الْأَجْسَامِ وَالْجُسْمَانِيَّاتِ، فَالشَّرُّ لَا يَحْصُلُ إِلَّا فِيهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَالَمُ الْأَجْسَامِ وَالْجُسْمَانِيَّاتِ بِعَالَمِ الْخَلْقِ لِأَنَّ الْخَلْقَ هُوَ التَّقْدِيرُ وَالْمِقْدَارُ مِنْ لَوَاحِقِ الْجِسْمِ، فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَا جَرَمَ قَالَ: أَعُوذُ بِالرَّبِّ الَّذِي فَلَقَ ظُلُمَاتِ بَحْرِ الْعَدَمِ بِنُورِ الْإِيجَادِ وَالْإِبْدَاعِ مِنَ الشُّرُورِ الْوَاقِعَةِ فِي عَالَمِ الْخَلْقِ وَهُوَ عَالَمُ الْأَجْسَامِ وَالْجُسْمَانِيَّاتِ، ثُمَّ مِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ الْأَجْسَامَ، إِمَّا أَثَرِيَّةٌ أَوْ عُنْصُرِيَّةٌ وَالْأَجْسَامُ الْأَثَرِيَّةٌ خَيْرَاتٌ، لِأَنَّهَا بَرِيئَةٌ عَنِ الِاخْتِلَالِ وَالْفُطُورِ، عَلَى مَا قَالَ: مَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ [الْمُلْكِ: 3] وَأَمَّا الْعُنْصُرِيَّاتُ فَهِيَ إِمَّا جَمَادٌ أَوْ نَبَاتٌ أَوْ حَيَوَانٌ، أَمَّا الْجَمَادَاتُ فَهِيَ خَالِيَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ، فَالظُّلْمَةُ فِيهَا خَالِصَةٌ وَالْأَنْوَارُ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ زَائِلَةٌ، وَهِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ وَأَمَّا النَّبَاتُ فَالْقُوَّةُ الْعَادِيَّةُ النَّبَاتِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَزِيدُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ مَعًا، فَهَذِهِ النَّبَاتِيَّةُ كَأَنَّهَا تَنْفُثُ فِي الْعُقَدِ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَالْقُوَى الْحَيَوَانِيَّةُ هِيَ الْحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ وَالْحَوَاسُّ الْبَاطِنِيَّةُ وَالشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ وَكُلُّهَا تَمْنَعُ الرُّوحَ الْإِنْسَانِيَّةَ عَنِ الِانْصِبَابِ إِلَى عَالَمِ الْغَيْبِ، وَالِاشْتِغَالِ بِقُدْسِ جَلَالِ اللَّهِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ السُّفْلِيَّاتِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ سِوَى النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَهِيَ الْمُسْتَعِيذَةُ، فَلَا تَكُونُ مُسْتَعَاذًا مِنْهَا، فَلَا جَرَمَ قَطَعَ هَذِهِ السُّورَةَ وَذَكَرَ بَعْدَهَا فِي سُورَةِ النَّاسِ مَرَاتِبَ دَرَجَاتِ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي التَّرَقِّي، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا بِأَصْلِ فِطْرَتِهَا مُسْتَعِدَّةٌ لأن تنتفش بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ إِلَّا أَنَّهَا تَكُونُ أَوَّلَ الْأَمْرِ خَالِيَةً عَنْ هَذِهِ الْمَعَارِفِ بِالْكُلِّيَّةِ، ثم إنه في الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ يَحْصُلُ فِيهَا عُلُومٌ أَوَّلِيَّةٌ بَدِيهِيَّةٌ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهَا إِلَى اسْتِعْلَامِ الْمَجْهُولَاتِ/ الْفِكْرِيَّةِ، ثم في آخر الأمر تِلْكَ الْمَجْهُولَاتِ الْفِكْرِيَّةِ مِنَ الْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْلِ، فقوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى مِنْ مَرَاتِبِ النفس الإنسانية

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 367
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست