responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 359
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى جَنَّةٌ حَاضِرَةٌ إِذِ الْجَنَّةُ أَنْ تَنَالَ مَا يُوَافِقُ عَقْلَكَ وَشَهْوَتَكَ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنِ الْجَنَّةُ جَنَّةً لِآدَمَ لَمَّا نَازَعَ عَقْلَهُ هَوَاهُ، وَلَا كَانَ الْقَبْرُ سِجْنًا عَلَى الْمُؤْمِنِ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ هُنَاكَ مَا يُلَائِمُ عَقْلَهُ وَهَوَاهُ، ثُمَّ إِنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا يُرِيدُهَا الْهَوَى وَالْعَقْلُ، فَصَارَتْ جَنَّةً مُطْلَقَةً، وَبَيَانُ مَا قُلْنَا: أَنَّ الْعَقْلَ يُرِيدُ أَمِينًا تُودَعُ عِنْدَهُ الْحَسَنَاتُ، وَالشَّهْوَةُ تُرِيدُ غَنِيًّا يُطْلَبُ مِنْهُ الْمُسْتَلَذَّاتُ، بَلِ الْعَقْلُ كَالْإِنْسَانِ الَّذِي لَهُ هِمَّةٌ عَالِيَةٌ فَلَا يَنْقَادُ إِلَّا لِمَوْلَاهُ، وَالْهَوَى كَالْمُنْتَجِعِ الَّذِي إِذَا سَمِعَ حُضُورَ غَنِيٍّ، فَإِنَّهُ يَنْشَطُ لِلِانْتِجَاعِ إِلَيْهِ، بَلِ الْعَقْلُ يَطْلُبُ مَعْرِفَةَ الْمَوْلَى لِيَشْكُرَ لَهُ النِّعَمَ الْمَاضِيَةَ وَالْهَوَى يَطْلُبُهَا لِيَطْمَعَ مِنْهُ فِي النِّعَمِ الْمُتَرَبَّصَةِ، فَلَمَّا عَرَفَاهُ كَمَا أَرَادَهُ عَالِمًا وَغَنِيًّا تَعَلَّقَا بِذَيْلِهِ، فَقَالَ الْعَقْلُ: لَا أَشْكُرُ أَحَدًا سِوَاكَ، وَقَالَتِ الشَّهْوَةُ: لَا أَسْأَلُ أَحَدًا إِلَّا إِيَّاكَ، ثُمَّ جَاءَتِ الشُّبْهَةُ فَقَالَتْ: يَا عَقْلُ كَيْفَ أَفْرَدْتَهُ بِالشُّكْرِ وَلَعَلَّ لَهُ مِثْلًا؟ ويا شهوة كيف اقتصرت عليه ولعل هاهنا بَابًا آخَرَ؟ فَبَقِيَ الْعَقْلُ مُتَحَيِّرًا وَتَنَغَّصَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الرَّاحَةُ، فَأَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ فِي عَالَمِ الِاسْتِدْلَالِ لِيَفُوزَ بِجَوْهَرَةِ الْيَقِينِ فَكَأَنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ قَالَ: كَيْفَ أُنَغِّصُ عَلَى عَبْدِي لَذَّةَ الِاشْتِغَالِ بِخِدْمَتِي وَشُكْرِي، فَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَقَالَ: لَا تَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِكَ، بَلْ قُلْ هُوَ الَّذِي عَرَفْتَهُ صَادِقًا/ يَقُولُ لِي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَعَرَّفَكَ الْوَحْدَانِيَّةَ بِالسَّمْعِ وَكَفَاكَ مُؤْنَةَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْعَقْلِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَطَالِبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنْهَا لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ بِالسَّمْعِ وَهُوَ كُلُّ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ السَّمْعِ عَلَى صِحَّتِهِ كَالْعِلْمِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَصِحَّةِ الْمُعْجِزَاتِ، وَقِسْمٌ مِنْهَا لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالسَّمْعِ وَهُوَ وُقُوعُ كُلِّ مَا عُلِمَ بِالْعَقْلِ جَوَازُ وُقُوعِهِ وَقِسْمٌ ثَالِثٌ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ بِالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ مَعًا، وَهُوَ كَالْعِلْمِ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَبِأَنَّهُ مَرْئِيٌّ إِلَى غَيْرِهِمَا، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا فِي تَقْرِيرِ دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: 22] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا بد في سورة: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ مِنْ قُلْ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَفْظُ قُلْ فِي سُورَةِ: تَبَّتْ وَأَمَّا فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا، فَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ بِغَيْرِ قُلْ هَكَذَا: هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِدُونِ (قُلْ هُوَ) هَكَذَا: اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ فَمَنْ أَثْبَتَ قُلْ قَالَ: السَّبَبُ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ النَّظْمَ لَيْسَ فِي مَقْدُورِهِ، بَلْ يَحْكِي كُلَّ مَا يُقَالُ لَهُ، وَمَنْ حَذَفَهُ قَالَ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ مَا كَانَ مَعْلُومًا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ فِي إِعْرَابِ هَذِهِ الْآيَةِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: أَنَّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِ اللَّهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: اللَّهُ مُرْتَفِعًا بِأَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ: أَحَدٌ مَا يَجُوزُ فِي قَوْلِكَ: زَيْدٌ أَخُوكَ قَائِمٌ الثَّانِي: أَنَّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الشَّأْنِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونُ اللَّهُ مُرْتَفِعًا بِالِابْتِدَاءِ وَأَحَدٌ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ تَكُونُ خَبَرًا عَنْ هُوَ، وَالتَّقْدِيرُ الشَّأْنُ وَالْحَدِيثُ: هُوَ أَنَّ اللَّهَ أَحَدٌ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الْأَنْبِيَاءِ: 97] إِلَّا أَنَّ هِيَ جَاءَتْ عَلَى التَّأْنِيثِ، لِأَنَّ فِي التَّفْسِيرِ: اسْمًا مُؤَنَّثًا، وَعَلَى هَذَا جَاءَ: فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ [الْحَجِّ: 46] أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّفْسِيرِ مُؤَنَّثٌ لَمْ يُؤَنَّثْ ضَمِيرُ الْقِصَّةِ كَقَوْلِهِ: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً [طه: 74] وَالثَّالِثُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: تَقْدِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الَّذِي سَأَلْتُمْ عَنْهُ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي أَحَدٌ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، قَالَ الْخَلِيلُ، يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَحَدٌ اثْنَانِ وَأَصْلُ أَحَدٍ وَحَدٌ إِلَّا أَنَّهُ قُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً لِلتَّخْفِيفِ وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُونَ هَذَا بِالْوَاوِ الْمَضْمُومَةِ وَالْمَكْسُورَةِ كَقَوْلِهِمْ:
وُجُوهٌ وَأُجُوهٌ وِسَادَةٌ وَإِسَادَةٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَاحِدَ وَالْأَحَدَ لَيْسَا اسْمَيْنِ مُتَرَادِفَيْنِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: لَا يُوصَفُ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 359
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست