responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 342
وَاعْلَمْ أَنَّ صِفَاتِ الْحَقِّ مَحْصُورَةٌ فِي السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ وَالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالسُّلُوبُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِيجَابَاتِ فَالتَّسْبِيحُ إِشَارَةٌ إِلَى التَّعَرُّضِ لِلصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ الَّتِي لِوَاجِبِ الْوُجُودِ وَهِيَ صِفَاتُ الْجَلَالِ، وَالتَّحْمِيدُ إِشَارَةٌ إِلَى الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ لَهُ، وَهِيَ صِفَاتُ الْإِكْرَامِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْجَلَالِ عَلَى الْإِكْرَامِ، وَلَمَّا أَشَارَ إِلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ بِمَعْرِفَةِ وَاجِبِ الْوُجُودِ نَزَلَ مِنْهُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ فِيهِ رُؤْيَةُ قُصُورِ النَّفْسِ، وَفِيهِ رُؤْيَةُ جُودِ الْحَقِّ، وَفِيهِ طَلَبٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلَحُ وَالْأَكْمَلُ لِلنَّفْسِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ بِقَدْرِ اشْتِغَالِ الْعَبْدِ بِمُطَالَعَةِ غَيْرِ اللَّهِ يَبْقَى مَحْرُومًا عَنْ مُطَالَعَةِ حَضْرَةِ جَلَالِ اللَّهِ، فَلِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ أَخَّرَ ذِكْرَ الِاسْتِغْفَارِ عَنِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِرْشَادٌ لِلْبَشَرِ إِلَى التَّشَبُّهِ بِالْمَلَكِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَعْلَى كُلِّ نَوْعٍ أَسْفَلُ/ مُتَّصِلٌ بِأَسْفَلِ النَّوْعِ الْأَعْلَى وَلِهَذَا قِيلَ: آخِرُ مَرَاتِبِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْمَلَكِيَّةِ ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ ذَكَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة: 30] فقوله هاهنا: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّشَبُّهِ بِالْمَلَائِكَةِ في قولهم:
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وقوله هاهنا: وَاسْتَغْفِرْهُ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُقَدِّسُ لَكَ لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوا قَوْلَهُ:
وَنُقَدِّسُ لَكَ أَيْ نَجْعَلُ أَنْفُسَنَا مُقَدِّسَةً لِأَجْلِ رِضَاكَ وَالِاسْتِغْفَارُ يَرْجِعُ مَعْنَاهُ أَيْضًا إِلَى تَقْدِيسِ النَّفْسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُمُ ادَّعَوْا لِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ سَبَّحُوا بِحَمْدِي وَرَأَوْا ذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِي وَاسْتَغْفِرْ مِنْ أَنْ تَرَى تِلْكَ الطَّاعَةَ مِنْ نَفْسِكَ بَلْ يَجِبُ أَنْ تَرَاهَا مِنْ تَوْفِيقِي وَإِحْسَانِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْمَلَائِكَةُ كَمَا قَالُوا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّهِمْ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غَافِرٍ: 7] فَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ اسْتَغْفِرْ لِلَّذِينِ جَاءُوا أَفْوَاجًا كَالْمَلَائِكَةِ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينِ آمَنُوا وَيَقُولُونَ: رَبَّنا ... فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ [غَافِرٍ: 7] الْوَجْهُ الرَّابِعُ: التَّسْبِيحُ هُوَ التَّطْهِيرُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ طَهِّرِ الْكَعْبَةَ مِنَ الْأَصْنَامِ وكسرها ثم قال: بِحَمْدِ رَبِّكَ أن يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِقْدَامُكَ عَلَى ذَلِكَ التَّطْهِيرِ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِغْفَارِ بِحَمْدِ رَبِّكَ، وَإِعَانَتِهِ وَتَقْوِيَتِهِ، ثُمَّ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَرَى نَفْسَكَ آتِيًا بِالطَّاعَةِ اللَّائِقَةِ بِهِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَرَى نَفْسَكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُقَصِّرَةً، فَاطْلُبِ الِاسْتِغْفَارَ عَنْ تَقْصِيرِكَ فِي طَاعَتِهِ وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ: كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَعْصُومًا أَوْ لَمْ تَكُنْ مَعْصُومًا فَإِنْ كُنْتَ مَعْصُومًا فَاشْتَغِلْ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْصُومًا فَاشْتَغِلْ بِالِاسْتِغْفَارِ فَتَكُونُ الْآيَةُ كَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرَاغَ عَنِ التَّكْلِيفِ فِي الْعُبُودِيَّةِ كَمَا قَالَ: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الْحِجْرِ: 99] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْمُرَادِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ بِالتَّنَزُّهِ
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْ كُلِّ سُوءٍ
وَأَصْلُهُ مِنْ سَبَحَ فَإِنَّ السَّابِحَ يَسْبَحُ فِي الْمَاءِ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَيَضْبُطُ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ يَرْسُبَ فِيهِ فَيَهْلِكَ أَوْ يَتَلَوَّثَ مِنْ مَقَرِّ الْمَاءِ وَمَجْرَاهُ وَالتَّشْدِيدُ لِلتَّبْعِيدِ لِأَنَّكَ تُسَبِّحُهُ أَيْ تُبْعِدُهُ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ اسْتِعْمَالُهُ فِي تَنْزِيهِ اللَّهِ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَالْفِعْلِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا لِأَنَّ السَّمَكَةَ كَمَا أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّجَاسَةَ فَكَذَا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ لَا يَقْبَلُ مَا لَا يَنْبَغِي الْبَتَّةَ فَاللَّفْظُ يُفِيدُ التَّنْزِيهَ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْبِيحِ الصَّلَاةُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَارِدٌ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى الصَّلَاةِ قَالَ تَعَالَى: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الرُّومِ: 17] وَقَالَ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ [طه: 130] وَالَّذِي يُؤَكِّدُهُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ،
وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي آخِرِ مَرَضِهِ يَقُولُ: «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»
جَعَلَ يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَقْبِضُ بِهَا لِسَانَهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ صَلَاةُ الشُّكْرِ صَلَّاهَا يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَانِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 342
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست