responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 323
بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الكافرون
ست آيات مكية اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تُسَمَّى سُورَةَ الْمُنَابِذَةِ وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ وَالْمُقَشْقِشَةَ،
وَرُوِيَ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ رُبْعَ الْقُرْآنِ،
وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَأْمُورَاتِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُلُوبِ وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَارِحِ وَهَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ فَتَكُونُ رُبْعًا لِلْقُرْآنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[سورة الكافرون (109) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)
اعلم أن قوله تعالى: فِيهِ فَوَائِدُ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَأْمُورًا بِالرِّفْقِ وَاللِّينِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ كَمَا قال: قُلْ فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] [1] بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107] ثُمَّ كَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يَدْعُوَ إِلَى اللَّهِ بِالْوَجْهِ الْأَحْسَنِ: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النَّحْلِ: 125] وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ خَاطَبَهُمْ بيا أيها الْكَافِرُونَ فَكَانُوا يَقُولُونَ: كَيْفَ يَلِيقُ هَذَا التَّغْلِيظُ بِذَلِكَ الرِّفْقِ فَأَجَابَ بِأَنِّي مَأْمُورٌ بِهَذَا الْكَلَامِ لَا أَنِّي ذَكَرْتُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِي فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ تَقْرِيرَ هَذَا الْمَعْنَى وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشُّعَرَاءِ: 214] وَهُوَ كَانَ يُحِبُّ أَقْرِبَاءَهُ لِقَوْلِهِ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشُّورَى: 23] فَكَانَتِ الْقَرَابَةُ وَوَحْدَةُ النَّسَبِ كَالْمَانِعِ مِنْ إِظْهَارِ الْخُشُونَةِ فَأُمِرَ بِالتَّصْرِيحِ بِتِلْكَ الْخُشُونَةِ وَالتَّغْلِيظِ فَقِيلَ لَهُ: قُلْ، وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [الْمَائِدَةِ: 67] فَأُمِرَ بِتَبْلِيغِ كُلِّ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قال الله تعالى له: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ نَقَلَ هُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الْكَلَامَ بِجُمْلَتِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَنِي بِتَبْلِيغِ كُلِّ مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ وَالَّذِي أُنْزِلَ عَلَيَّ هو مجموع قوله: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ فَأَنَا أَيْضًا أُبَلِّغُهُ إِلَى الْخَلْقِ هَكَذَا وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا مُقِرِّينَ بِوُجُودِ الصَّانِعِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ، عَلَى مَا قَالَ/ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لُقْمَانَ: 25] وَالْعَبْدُ يَتَحَمَّلُ مِنْ مَوْلَاهُ مَا لَا يَتَحَمَّلُهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَوْ أنه عليه السلام قال ابتداء: (يا أيها الْكَافِرُونَ) لَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا كَلَامَ مُحَمَّدٍ، فَلَعَلَّهُمْ مَا كَانُوا يَتَحَمَّلُونَهُ مِنْهُ وَكَانُوا يُؤْذُونَهُ. أَمَّا لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ: قُلْ عَلِمُوا أَنَّهُ ينقل هذا التغليظ عن خالق السموات وَالْأَرْضِ، فَكَانُوا يَتَحَمَّلُونَهُ وَلَا يَعْظُمُ تَأَذِّيهِمْ بِهِ وخامسها: أن

[1] في المطبوعة: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) وهو خطأ لا يتفق حسب الآية المذكورة في سورة آل عمران.
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 323
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست