responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 321
ثُمَّ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى خَيْرٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى جَمِيعِ الْخَيْرَاتِ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَيَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا: قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتْ قُرَيْشٌ يَقُولُونَ لِمَنْ مَاتَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِهِ بُتِرَ، فَلَمَّا مَاتَ ابْنُهُ الْقَاسِمُ وَعَبْدُ اللَّهِ بِمَكَّةَ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْمَدِينَةِ قَالُوا: بُتِرَ فَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ عَدُوَّهُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنَّا نَرَى أَنَّ نَسْلَ أُولَئِكَ الْكَفَرَةِ قَدِ انْقَطَعَ، وَنَسْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُلَّ يَوْمٍ يَزْدَادُ وَيَنْمُو وَهَكَذَا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ الْقِيَامَةِ وَثَانِيهَا: قَالَ الْحَسَنُ: عَنَوْا بِكَوْنِهِ أَبْتَرَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنِ الْمَقْصُودِ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ خَصْمَهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ صَارُوا مُدْبِرِينَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ، وَصَارَتْ رَايَاتُ الْإِسْلَامِ عَالِيَةً، وَأَهْلُ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ لَهَا مُتَوَاضِعَةٌ وَثَالِثُهَا: زَعَمُوا أَنَّهُ أَبْتَرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَاصِرٌ وَمُعِينٌ، وَقَدْ كَذَّبُوا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ مَوْلَاهُ، وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا الْكَفَرَةُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَاصِرٌ وَلَا حَبِيبٌ وَرَابِعُهَا: الْأَبْتَرُ هُوَ الْحَقِيرُ الذَّلِيلُ، رُوِيَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ اتَّخَذَ ضِيَافَةً لِقَوْمٍ، ثُمَّ إِنَّهُ وَصَفَ رَسُولَ اللَّهِ بِهَذَا الْوَصْفِ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا حَتَّى نَذْهَبَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأُصَارِعَهُ وَأَجْعَلَهُ ذَلِيلًا حَقِيرًا، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى دَارِ خَدِيجَةَ وَتَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ أَخْرَجَتْ خَدِيجَةُ بِسَاطًا، فَلَمَّا تَصَارَعَا جَعَلَ أَبُو جَهْلٍ يَجْتَهِدُ فِي أَنْ يَصْرَعَهُ، وَبَقِيَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاقِفًا كَالْجَبَلِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَقْبَحِ وَجْهٍ، فَلَمَّا رَجَعَ أَخَذَهُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى، لِأَنَّ الْيُسْرَى لِلِاسْتِنْجَاءِ، فَكَانَ نَجِسًا فَصَرَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ مَرَّةً أُخْرَى وَوَضَعَ قَدَمَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَذَكَرَ بَعْضُ الْقُصَّاصِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ وَخَامِسُهَا: أَنَّ الْكَفَرَةَ لَمَّا وَصَفُوهُ بِهَذَا الْوَصْفِ، قِيلَ: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ/ الْأَبْتَرُ أَيِ الَّذِي قَالُوهُ فِيكَ كَلَامٌ فَاسِدٌ يَضْمَحِلُّ وَيَفْنَى، وَأَمَّا الْمَدْحُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيكَ، فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ وَسَادِسُهَا:
أَنَّ رَجُلًا قَامَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَالَ: سَوَّدْتَ وُجُوهَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ تَرَكْتَ الْإِمَامَةَ لِمُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: لا تؤذيني يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى بَنِي أُمَيَّةَ فِي الْمَنَامِ يَصْعَدُونَ مِنْبَرَهُ رَجُلًا فَرَجُلًا فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
فَكَانَ مُلْكُ بَنِي أُمَيَّةَ كَذَلِكَ، ثُمَّ انْقَطَعُوا وَصَارُوا مَبْتُورِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْكُفَّارُ لَمَّا شَتَمُوهُ، فَهُوَ تَعَالَى أَجَابَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَقَالَ: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وَهَكَذَا سُنَّةُ الْأَحْبَابِ، فَإِنَّ الْحَبِيبَ إِذَا سَمِعَ مَنْ يَشْتُمُ حَبِيبَهُ تَوَلَّى بِنَفْسِهِ جَوَابَهُ، فَهَهُنَا تَوَلَّى الْحَقُّ سُبْحَانَهُ جَوَابَهُمْ، وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ حِينَ قَالُوا: هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ [سَبَأٍ: 7، 8] فَقَالَ سُبْحَانَهُ: بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ [سَبَأٍ: 8] وَحِينَ قَالُوا: هُوَ مَجْنُونٌ أَقْسَمَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [الْقَلَمِ: 2] وَلَمَّا قَالُوا: لَسْتَ مُرْسَلًا [الرَّعْدِ: 43] أَجَابَ فَقَالَ: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس: 1- 3] وَحِينَ قَالُوا: أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصَّافَّاتِ: 36] رَدَّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ:
بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ [الصَّافَّاتِ: 37] فَصَدَّقَهُ، ثم ذكر وعيد خصمائه، وقال: إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ [الصَّافَّاتِ: 38] وَحِينَ قَالَ حَاكِيًا: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ [الطُّورِ: 30] قَالَ: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [يس: 69] ولما حكى عنهم قوله: إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ [الْفُرْقَانِ: 4] سَمَّاهُمْ كَاذِبِينَ بِقَوْلِهِ: فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً [الْفُرْقَانِ: 4] وَلَمَّا قَالُوا: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الْفُرْقَانِ: 7] أَجَابَهُمْ فَقَالَ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الْفُرْقَانِ: 20] فَمَا أَجَلَّ هَذِهِ الْكَرَامَةَ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 321
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست