responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 299
أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ قَبْلَ أَنْ يَعْبُدُوهُ، أَلَا يُطْعِمُهُمْ إِذَا عَبَدُوهُ! وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ أَعْطَى الْعَبْدَ أُصُولَ النِّعَمِ أَسَاءَ الْعَبْدُ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّهُ يُطْعِمُهُمْ مَعَ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ مِنْ أُصُولِ النِّعَمِ أَلَا تَسْتَحِي مِنْ إِحْسَانِي إِلَيْكَ بَعْدَ إِسَاءَتِكَ وَثَالِثُهَا: إِنَّمَا ذَكَرَ الْإِنْعَامَ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ تُطِيعُ مَنْ يَعْلِفُهَا، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: لَسْتُ دُونَ الْبَهِيمَةِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: أَلَيْسَ أَنَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا مِلْكًا لَنَا بِقَوْلِهِ: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [الْبَقَرَةِ: 29] فَكَيْفَ تَحْسُنُ الْمِنَّةُ عَلَيْنَا بِأَنْ أَعْطَانَا مِلْكَنَا؟ الْجَوَابُ: انْظُرْ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا قَبْلَ الْأَكْلِ حَتَّى يَتِمَّ الطَّعَامُ وَيَتَهَيَّأَ، وَفِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا بَعْدَ الْأَكْلِ حَتَّى يَتِمَّ الِانْتِفَاعُ بِالطَّعَامِ الْمَأْكُولِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى يَتِمَّ ذَلِكَ الطَّعَامُ، وَلَا بُدَّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْضَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهَا وَصُوَرِهَا حَتَّى يَتِمَّ الِانْتِفَاعُ بِالطَّعَامِ، وَحِينَئِذٍ تَعْلَمُ أَنَّ الْإِطْعَامَ يُنَاسِبُ الْأَمْرَ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: الْمِنَّةُ بِالْإِطْعَامِ لَا تَلِيقُ بِمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْكَرَمِ، فَكَيْفَ بِأَكْرَمِ الْأَكْرَمِينَ؟ الْجَوَابُ: لَيْسَ الْغَرَضُ مِنْهُ الْمِنَّةَ، بَلِ الْإِرْشَادَ إِلَى الْأَصْلَحِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْأَكْلِ تَقْوِيَةَ الشَّهْوَةِ الْمَانِعَةِ عَنِ الطَّاعَةِ، بَلْ تَقْوِيَةَ الْبِنْيَةِ عَلَى أَدَاءِ الطَّاعَاتِ، فَكَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ ذَلِكَ.
السُّؤَالُ الرَّابِعُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ جُوعٍ؟ الْجَوَابُ: فِيهِ فَوَائِدُ أَحَدُهَا: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ أَمْرَ الْجُوعِ شَدِيدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا [الشُّورَى: 28]
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ» الْحَدِيثَ
وَثَانِيهَا: تَذْكِيرُهُمُ الْحَالَةَ الْأُولَى الرَّدِيئَةَ الْمُؤْلِمَةَ وَهِيَ الْجُوعُ حَتَّى يَعْرِفُوا قَدْرَ النِّعْمَةِ الْحَاضِرَةِ وَثَالِثُهَا: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ خَيْرَ الطَّعَامِ مَا سَدَّ الْجَوْعَةَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَأَشْبَعَهُمْ لِأَنَّ الطَّعَامَ يُزِيلُ الْجُوعَ، أَمَّا الْإِشْبَاعُ فَإِنَّهُ يُورِثُ البطنة.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ فَفِي تَفْسِيرِهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ آمِنِينَ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ أَحَدٌ، وَلَا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ لَا فِي سَفَرِهِمْ وَلَا فِي حَضَرِهِمْ، وَكَانَ غَيْرُهُمْ لَا يَأْمَنُونَ مِنَ الْغَارَةِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً [الْعَنْكَبُوتِ: 67] ثَانِيهَا: أَنَّهُ آمَنَهُمْ مِنْ زَحْمَةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ وَثَالِثُهَا: قَالَ الضحاك والربيع: وآمنهم من خوف الجزام، فَلَا يُصِيبُهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ الْجُذَامُ، وَرَابِعُهَا:
آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفِ أَنْ تَكُونَ الْخِلَافَةُ فِي غَيْرِهِمْ [1] وَخَامِسُهَا: آمَنَهُمْ بِالْإِسْلَامِ، فَقَدْ كَانُوا فِي الْكُفْرِ يَتَفَكَّرُونَ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ الدِّينَ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ وَسَادِسُهَا: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعِ الْجَهْلِ بِطَعَامِ الْوَحْيِ، وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفِ الضَّلَالِ بِبَيَانِ الْهُدَى، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:
يَا أَهْلَ مَكَّةَ كُنْتُمْ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ تُسَمَّوْنَ جُهَّالَ الْعَرَبِ وَأَجْلَافَهُمْ، وَمَنْ كَانَ يُنَازِعُكُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ أَهْلَ الْكِتَابِ، ثُمَّ أَنْزَلْتُ الْوَحْيَ عَلَى نَبِيِّكُمْ، وَعَلَّمْتُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ حتى صرتم الآن تسمون/ أهل العلم

[1] أقول والأسف يملأ الفؤاد ويقض الجوانح ويمزق الأكباد: إن هذا الوجه الرابع لا محل لذكره الآن، فقد أصبحت الخلافة الإسلامية أثرا بعد عين، وانقرض ظلها وزوى، فلم يعد للمسلمين خليفة من قريش ولا من غيرهم، والأمل معقود في الجامعة العربية أن توفق إلى رد هذا الحق المسلوب، وإعادة هذا السلطان الضائع الذي قضى عليه الاستعمار والمستعمرون، ليشيع التفكك والاضطراب، وتعم الفوضى بين المسلمين والعياذ بالله (عبد الله الصاوي) .
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 299
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست