responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 281
فَبَطَلَ هَذَا التَّأْوِيلُ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ: هَذَا التَّكْرِيرُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى عَمَلِ الصَّالِحَاتِ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْإِيمَانِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ قَوْلِهِ: الَّذِينَ آمَنُوا وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَشْتَمِلُ عَلَى قَوْلِهِ: وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَكْرَارًا، أَجَابَ الْأَوَّلُونَ وَقَالُوا: إِنَّا لَا نَمْنَعُ وُرُودَ التَّكْرِيرِ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ، لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَالِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ الْقَاطِعُونَ بِوَعِيدِ الْفُسَّاقِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، قَالُوا: الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْخَسَارَةِ مُطْلَقًا، ثُمَّ اسْتَثْنَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطَيْنِ مَفْقُودٌ عِنْدَ فَقْدِ أَحَدِهِمَا، فَعَلِمْنَا أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْإِيمَانُ وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْخَسَارِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَجْمِعُ لِهَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ، وَكَانَ الْخَسَارُ/ لَازِمًا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَجْمِعًا لَهُمَا كَانَ النَّاجِي أَقَلَّ مِنَ الْهَالِكِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ النَّاجِي أَكْثَرَ كَانَ الْخَوْفُ عَظِيمًا حَتَّى لَا تَكُونَ أَنْتَ مِنَ الْقَلِيلِ، كَيْفَ وَالنَّاجِي أَقَلُّ؟ أَفَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ أَشَدَّ!.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِيهِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَسْلِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِ مَنْ فَوْتِ عُمُرِهِ وَشَبَابِهِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ أَوْصَلَهُ إِلَى خَيْرٍ مِنْ عُمُرِهِ وَشَبَابِهِ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا دَعَاكَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ الصَّلَاحُ، وَكُلَّ مَا شَغَلَكَ عَنِ اللَّهِ بِغَيْرِهِ فَهُوَ الْفَسَادُ وَثَالِثُهَا: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: تَسْمِيَةُ الْأَعْمَالِ بِالصَّالِحَاتِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ وَجْهَ حُسْنِهَا لَيْسَ هُوَ الْأَمْرَ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْأَشْعَرِيَّةُ، لَكِنَّ الْأَمْرَ إِنَّمَا وَرَدَ لِكَوْنِهَا فِي أَنْفُسِهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى وُجُوهِ الصَّلَاحِ، وَأَجَابَتِ الْأَشْعَرِيَّةُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا صَالِحَةً، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا صَالِحَةٌ بِسَبَبِ وُجُوهٍ عَائِدَةٍ إِلَيْهَا أَوْ بِسَبَبِ الْأَمْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لِسَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ فَيَقُولَ: إِنَّهُ فِي جَانِبِ الْخُسْرِ ذَكَرَ الْحُكْمَ وَلَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ وَفِي جَانِبِ الرِّبْحِ ذَكَرَ السَّبَبَ، وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْحُكْمَ فَمَا الْفَرْقُ قُلْنَا: إِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ الْخُسْرِ لِأَنَّ الْخُسْرَ كَمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ يَحْصُلُ بِالتَّرْكِ، وَهُوَ عَدَمُ الْإِقْدَامِ عَلَى الطَّاعَةِ، أَمَّا الرِّبْحُ فَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْفِعْلِ، فَلِهَذَا ذَكَرَ سَبَبَ الرِّبْحِ وَهُوَ الْعَمَلُ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى فِي جَانِبِ الْخُسْرِ أَبْهَمَ وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَفِي جَانِبِ الرِّبْحِ فَصَّلَ وَبَيَّنَ، وهذا هو اللائق بالكرم.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ.
فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي أَهْلِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمُ الصَّالِحِ خَرَجُوا عَنْ أَنْ يَكُونُوا فِي خُسْرٍ وَصَارُوا أَرْبَابَ السَّعَادَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِمَا يُؤَدِّيهِمْ إِلَى الْفَوْزِ بِالثَّوَابِ وَالنَّجَاةِ مِنَ الْعِقَابِ وَصَفَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا لِشِدَّةِ مَحَبَّتِهِمْ لِلطَّاعَةِ لَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى مَا يَخُصُّهُمْ بَلْ يُوصُونَ غَيْرَهُمْ بِمِثْلِ طَرِيقَتِهِمْ لِيَكُونُوا أَيْضًا سَبَبًا لِطَاعَاتِ الْغَيْرِ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ أَهْلُ الدين وعلى هذا الوجه قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التَّحْرِيمِ: 6] فَالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ يَدْخُلُ فِيهِ سَائِرُ الدِّينِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ، وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ يَدْخُلُ فِيهِ حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى مَشَقَّةِ التَّكْلِيفِ فِي الْقِيَامِ بِمَا يَجِبُ، وَفِي اجْتِنَابِهِمْ مَا يَحْرُمُ إِذِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَالْإِحْجَامُ عَنِ الْمُرَادِ كِلَاهُمَا شَاقٌّ شديد، وهاهنا مسائل:

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 281
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست