responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 252
[إِبْرَاهِيمَ: 32] فَعَطَفَ ذَلِكَ عَلَى الْبَحْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْجَنَّةَ أَتْبَعَهُ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ الْخُلُودُ أَوَّلًا وَالرِّضَا ثَانِيًا،
وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «إِنَّ الْخُلُودَ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْجَنَّةِ وَرِضَا اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الْجَنَّةِ» .
أَمَّا الصِّفَةُ الْأُولَى: وَهِيَ الْخُلُودُ، فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ وَصَفَ الْجَنَّةَ مَرَّةً بِجَنَّاتِ عَدْنٍ وَمَرَّةً بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ وَمَرَّةً بِدَارِ السَّلَامِ، وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ إِنَّمَا حَصَلَتْ لِأَنَّكَ رَكَّبْتَ إِيمَانَكَ مِنْ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ اعْتِقَادٍ وَقَوْلٍ وَعَمَلٍ.
وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ الرِّضَا، فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ مَخْلُوقٌ مِنْ جَسَدٍ وَرُوحٍ، فَجَنَّةُ الْجَسَدِ هِيَ الْجَنَّةُ الْمَوْصُوفَةُ وَجَنَّةُ الرُّوحِ هِيَ رِضَا الرَّبِّ، وَالْإِنْسَانُ مُبْتَدَأُ أَمْرِهِ مِنْ عَالَمِ الْجَسَدِ وَمُنْتَهَى أَمْرِهِ مِنْ عَالَمِ الْعَقْلِ وَالرُّوحِ، فَلَا جَرَمَ ابْتَدَأَ بِالْجَنَّةِ وَجَعَلَ الْمُنْتَهَى هُوَ رِضَا اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّهُ قَدَّمَ رِضَى اللَّهِ عَنْهُمْ عَلَى قَوْلِهِ: وَرَضُوا عَنْهُ لِأَنَّ الْأَزَلِيَّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْمُحْدَثِ، وَالْمُحْدَثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَزَلِيِّ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: إِنَّمَا قَالَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يَقُلْ رَضِيَ الرَّبُّ عَنْهُمْ وَلَا سَائِرَ الْأَسْمَاءِ لِأَنَّ أَشَدَّ الْأَسْمَاءِ هَيْبَةً وَجَلَالَةً لَفْظُ اللَّهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الِاسْمُ الدَّالُّ عَلَى الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بِأَسْرِهَا أَعْنِي صِفَاتِ الْجَلَالِ وَصِفَاتِ الْإِكْرَامِ، فَلَوْ قَالَ: رَضِيَ الرَّبُّ عَنْهُمْ لَمْ يُشْعِرْ ذَلِكَ بِكَمَالِ طَاعَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمُرَبِّيَ قَدْ يَكْتَفِي بِالْقَلِيلِ، أَمَّا لَفْظُ اللَّهِ فَيُفِيدُ غَايَةَ الْجَلَالَةِ وَالْهَيْبَةِ، وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَضْرَةِ لَا يَحْصُلُ الرِّضَا إِلَّا بِالْفِعْلِ الْكَامِلِ وَالْخِدْمَةِ التَّامَّةِ، فَقَوْلُهُ:
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُفِيدُ تَطْرِيَةَ فِعْلِ الْعَبْدِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ رَضِيَ أَعْمَالَهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ رَضِيَ بِأَنْ يَمْدَحَهُمْ وَيُعَظِّمَهُمْ، قَالَ: لِأَنَّ الرِّضَا عَنِ الْفَاعِلِ غَيْرُ الرِّضَا بِفِعْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَرَضُوا عَنْهُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ رَضُوا بِمَا جَازَاهُمْ مِنَ النَّعِيمِ وَالثَّوَابِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْخَوْفُ فِي الطَّاعَةِ حَالٌ حَسَنَةٌ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [الْمُؤْمِنُونَ: 60] وَلَعَلَّ الْخَشْيَةَ أَشَدُّ مِنَ الْخَوْفِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهُ فِي صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ مَقْرُونًا بِالْإِشْفَاقِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ الْخَوْفِ فَقَالَ: هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المؤمنون: 57] وَالْكَلَامُ فِي الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ مَشْهُورٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ إِذَا ضُمَّ إِلَيْهَا آيَةٌ أُخْرَى صَارَ الْمَجْمُوعُ دَلِيلًا عَلَى فَضْلِ الْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فَاطِرٍ: 28] فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ يَكُونُ صَاحِبَ الْخَشْيَةِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْخَشْيَةِ تَكُونُ لَهُ الْجَنَّةُ فَيَتَوَلَّدُ مِنْ مَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقُّ الْعُلَمَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ يَصِيرُ مَعَهُ آمِنًا بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَجَعَلَ هَذِهِ الْآيَةَ دَالَّةً عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ غَيْرُ قَوِيٍّ، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ الْعِبَادِ خَشْيَةً لِلَّهِ تَعَالَى، كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَعْرَفُكُمْ بِاللَّهِ أَخْوَفُكُمْ مِنَ اللَّهِ، وَأَنَا أَخْوَفُكُمْ مِنْهُ»
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصحبه وسلم.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 252
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست