responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 242
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ: إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّ هَذِهِ اللَّامَ لَامُ الْغَرَضِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لِغَرَضٍ فَهُوَ نَاقِصٌ لِذَاتِهِ مُسْتَكْمِلٌ بِذَلِكَ الْغَرَضِ، فَلَوْ فَعَلَ اللَّهُ فِعْلًا لَكَانَ نَاقِصًا لِذَاتِهِ مُسْتَكْمِلًا بِالْغَيْرِ وَهُوَ مُحَالٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَرَضَ إِنْ كَانَ قَدِيمًا/ لَزِمَ مِنْ قِدَمَهِ قِدَمُ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا افْتَقَرَ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ فَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ وَلِأَنَّهُ إِنْ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْغَرَضِ إِلَّا بِتِلْكَ الْوَاسِطَةِ فَهُوَ عَاجِزٌ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ كَانَ تَوْسِيطُ تِلْكَ الْوَاسِطَةِ عَبَثًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ.
ثُمَّ قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَجْعَلُ اللَّامَ فِي مَوْضِعِ أَنْ فِي الْأَمْرِ وَالْإِرَادَةِ كَثِيرًا، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النِّسَاءِ: 26] يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا [الصِّفِّ: 8] وَقَالَ فِي الْأَمْرِ: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ [الْأَنْعَامِ: 71] وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَالْإِخْلَاصُ عِبَارَةٌ عَنِ النِّيَّةِ الْخَالِصَةِ، وَالنِّيَّةُ الْخَالِصَةُ لَمَّا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً كَانَتِ النِّيَّةُ مُعْتَبَرَةً، فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ بِهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَنْوِيًّا، ثُمَّ قَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: الْوُضُوءُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [الْمَائِدَةِ: 6] وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْوِيًّا، فَيَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ وُجُوبُ كَوْنِ الْوُضُوءِ مَنْوِيًّا، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ تَعْلِيلَ أَفْعَالِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ بِالْأَغْرَاضِ، لَا جَرَمَ أَجْرَوُا الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا فَقَالُوا مَعْنَى الْآيَةِ: وَمَا أُمِرُوا بِشَيْءٍ إِلَّا لِأَجْلِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا قَوِيٌّ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ وَمَا أُمِرُوا بِشَيْءٍ إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهَذَا أَيْضًا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ مَأْمُورٌ بِهِ وَيَسْتَحِيلُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فِيهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا إِلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ، فَمَا كَانَ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فِيهِ. قُلْنَا: هَبْ أَنَّهُ خَصَّ عُمُومَ الْآيَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِحُكْمِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي ذَكَرْتُمْ فَيَبْقَى فِي الْبَاقِي حُجَّةٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: أُمِرُوا مَذْكُورٌ بِلَفْظِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [الْبَقَرَةِ: 183] كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ [الْبَقَرَةِ: 178] قَالُوا: فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ الْعِبَادَةُ شَاقَّةٌ وَلَا أُرِيدُ مَشَقَّتَكَ إِرَادَةً أَصْلِيَّةً بَلْ إِرَادَتِي لِعِبَادَتِكَ كَإِرَادَةِ الْوَالِدَةِ لِحِجَامَتِكَ، وَلِهَذَا لَمَّا آلَ الْأَمْرُ إِلَى الرَّحْمَةِ قَالَ:
كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الْأَنْعَامِ: 54] ، كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [الْمُجَادَلَةِ: 22] وَذُكِرَ فِي الْوَاقِعَاتِ إِذَا أَرَادَ الْأَبُ مِنِ ابْنِهِ عَمَلًا يَقُولُ لَهُ أَوَّلًا: يَنْبَغِي أَنَّ تَفْعَلَ هَذَا وَلَا يَأْمُرَهُ صَرِيحًا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فَتَعْظُمُ جِنَايَتُهُ، فَهَهُنَا أَيْضًا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْأَمْرِ لِتَخِفَّ جِنَايَةُ الرَّادِّ وَثَانِيهَا: أَنَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، نَقُولُ: كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: لَسْتُ أَنَا الْآمِرَ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ، بَلْ عَقْلُكَ أَيْضًا يَأْمُرُكَ لِأَنَّ النِّهَايَةَ فِي التَّعْظِيمِ لِمَنْ أَوْصَلَ إِلَيْكَ [أَنَّ] نِهَايَةَ الْإِنْعَامِ وَاجِبَةٌ فِي الْعُقُولِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ تَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَيْثُ قَالُوا:
الْعِبَادَةُ مَا وَجَبَتْ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إِلَى ثَوَابِ الْجَنَّةِ، أَوْ إِلَى الْبُعْدِ عَنْ عِقَابِ النَّارِ، بَلْ لِأَجْلِ أَنَّكَ عَبْدٌ وَهُوَ رَبٌّ، فَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِي الدِّينِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ الْبَتَّةَ، ثُمَّ أَمَرَكَ بِالْعِبَادَةِ وَجَبَتْ لِمَحْضِ الْعُبُودِيَّةِ، وَفِيهَا أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، فَالْمَعْبُودُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَالْحَقُّ وَاسِطَةٌ، وَنِعْمَ مَا قِيلَ: مَنْ آثَرَ الْعِرْفَانَ لِلْعِرْفَانِ فَقَدْ قَالَ بِالثَّانِي [1] / وَمَنْ آثَرَ الْعِرْفَانَ لَا لِلْعِرْفَانِ، بَلْ لِلْمَعْرُوفِ، فَقَدْ خَاضَ لُجَّةَ الْوُصُولِ.

[1] قوله بالثاني لا معنى له، ولعلها مصحفة عن الفاني.
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 242
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست