responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 238
الْبَيِّنَةُ
مَذْكُورَةٌ حِكَايَةً عَنْهُمْ، وَقَوْلَهُ: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي وَقَعَ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَا ادَّعَوْا وَثَانِيهَا: أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ، لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ وَإِنْ جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي إِلَّا أَنَّ تَفْسِيرَ لَفْظَةِ حَتَّى بِهَذَا لَيْسَ مِنَ اللُّغَةِ فِي شَيْءٍ وَثَالِثُهَا: أَنَّا لَا نَحْمِلُ قَوْلَهُ: مُنْفَكِّينَ عَلَى الْكُفْرِ بَلْ عَلَى كَوْنِهِمْ مُنْفَكِّينَ عَنْ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ بِالْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ بِالْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَيْ حَتَّى أَتَتْهُمْ، فَاللَّفْظُ لَفْظُ الْمُضَارِعِ وَمَعْنَاهُ الْمَاضِي، وهو كقوله تعالى: ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ [الْبَقَرَةِ: 102] أَيْ مَا تَلَتْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ ذِكْرِ مَنَاقِبِهِ، ثُمَّ لَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ تَفَرَّقُوا فِيهِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ رَدِيًّا وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [الْبَقَرَةِ: 89] وَالْقَوْلُ الْمُخْتَارُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْأَوَّلُ، وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ الرَّسُولِ، وَكَلِمَةُ حَتَّى تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْأَمْرُ هَكَذَا كَانَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ مَا بَقُوا عَلَى الْكُفْرِ بَلْ تَفَرَّقُوا فَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ مُؤْمِنًا، وَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ كَافِرًا، وَلَمَّا لَمْ يَبْقَ حَالُ أُولَئِكَ الْجَمْعِ بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ كَمَا كَانَ قَبْلَ مَجِيئِهِ، كَفَى ذَلِكَ فِي الْعَمَلِ بِمَدْلُولِ لَفْظِ حَتَّى، وَفِيهَا وَجْهٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا قَبْلَ مَبْعَثِ الرَّسُولِ مُنْفَكِّينَ عَنِ التَّرَدُّدِ فِي كُفْرِهِمْ بَلْ كَانُوا جَازِمِينَ بِهِ مُعْتَقِدِينَ حَقِيقَتَهُ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْجَزْمُ بَعْدَ مَبْعَثِ الرَّسُولِ، بَلْ بَقُوا شَاكِّينَ مُتَحَيِّرِينَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ وَفِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [الْبَقَرَةِ: 213] وَالْمَعْنَى أَنَّ الدِّينَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ اخْتَلَطَ بِلَحْمِهِمْ وَدَمِهِمْ فَالْيَهُودِيُّ كَانَ جَازِمًا فِي يَهُودِيَّتِهِ وَكَذَا النَّصْرَانِيُّ وَعَابِدُ الْوَثَنِ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: اضْطَرَبَتِ الْخَوَاطِرُ وَالْأَفْكَارُ وَتَشَكَّكَ كُلُّ أَحَدٍ فِي دِينِهِ وَمَذْهَبِهِ وَمَقَالَتِهِ، وَقَوْلُهُ: مُنْفَكِّينَ مُشْعِرٌ بِهَذَا لِأَنَّ انْفِكَاكَ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ هُوَ انْفِصَالُهُ عَنْهُ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ قُلُوبَهُمْ مَا خَلَتْ عَنْ تِلْكَ الْعَقَائِدِ وَمَا انْفَصَلَتْ عَنِ الْجَزْمِ بِصِحَّتِهَا، ثُمَّ إِنَّ بَعْدَ
الْمَبْعَثِ لَمْ يَبْقَ الْأَمْرُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْكُفَّارُ كَانُوا جِنْسَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَهْلُ الْكِتَابِ كَفِرَقِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكَانُوا كُفَّارًا بِإِحْدَاثِهِمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَفَرُوا بِهِ كَقَوْلِهِمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التَّوْبَةِ: 30] وَ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: 30] وَتَحْرِيفِهِمْ/ كِتَابَ اللَّهِ وَدِينَهُ وَالثَّانِي: الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ كَانُوا لَا يُنْسَبُونَ إِلَى كِتَابٍ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِنْسَيْنِ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى الْإِجْمَالِ ثم أردف ذلك الإجمال بالتفضل، وهو قوله: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ وهاهنا سؤالات:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنَ الْمُشْرِكِينَ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْهُمْ كَافِرٌ وَمِنْهُمْ لَيْسَ بِكَافِرٍ، وَهَذَا حَقٌّ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ كَافِرٌ وَمِنْهُمْ لَيْسَ بِكَافِرٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَقٍّ وَالْجَوَابُ: مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: كَلِمَةُ من هاهنا لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ بَلْ لِلتَّبْيِينِ كَقَوْلِهِ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الْحَجِّ: 30] وَثَانِيهَا: أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَعْضُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَعْضُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِدْخَالُ كَلِمَةِ مِنْ لِهَذَا السَّبَبِ وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَالْمُشْرِكِينَ أَيْضًا وَصْفًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَارَى مُثَلِّثَةٌ وَالْيَهُودَ عَامَّتُهُمْ مُشَبِّهَةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ شِرْكٌ، وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: جَاءَنِي الْعُقَلَاءُ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 238
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست