responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 86
مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَحَقُّ بِعَطَائِكَ مِنِّي فَزَادَهُ عَشَرَةً، ثُمَّ سَأَلَهُ فَزَادَهُ عَشَرَةً، وَهَكَذَا حَتَّى بَلَغَ مِائَةً، ثُمَّ قَالَ حَكِيمٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَطِيَّتُكَ الْأُولَى الَّتِي رَغِبْتُ عَنْهَا خَيْرٌ أَمْ هَذِهِ الَّتِي قَنِعْتُ بِهَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «بَلِ الَّتِي رَغِبْتَ عَنْهَا» فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا آخُذُ غَيْرَهَا: فَقِيلَ مَاتَ حَكِيمٌ وَهُوَ أَكْثَرُ قُرَيْشٍ مَالًا وَشَقَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْعَطَايَا لَكِنْ أَلَّفَهُمْ بِذَلِكَ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذِهِ الْعَطَايَا إِنَّمَا كَانَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالصَّدَقَاتِ، وَلَا أَدْرِي لِأَيِّ سَبَبٍ ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فِي الْجُمْلَةِ صَرْفُ الْأَمْوَالِ إِلَى الْمُؤَلَّفَةِ، فَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِصَرْفِ الزَّكَاةِ إِلَيْهِمْ فَلَا يَلِيقُ بِابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَقَلَ الْقَفَّالُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطَى عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ لَمَّا جَاءَهُ بِصَدَقَاتِهِ وَصَدَقَاتِ قَوْمِهِ أَيَّامَ الرِّدَّةِ، وَقَالَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَسْتَعِينَ الْإِمَامُ بِهِمْ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الصَّدَقَاتِ مِنَ الْمُلَّاكِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْنَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ تَأَلُّفِ قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُؤَلِّفَ قُلُوبَ قَوْمٍ لِبَعْضِ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَعُودُ نَفْعُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ جَازَ إِذْ لَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ زَكَوَاتِ الْأَمْوَالِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَّا الْمُؤَلَّفَةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّمَا يُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ لَا مِنَ الصَّدَقَاتِ وَأَقُولُ إِنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِيِّ إِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ تَأَلُّفِ قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُبَّمَا يُوهَمُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَفَعَ قِسْمًا مِنَ الزَّكَاةِ إِلَيْهِمْ لَكِنَّا بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا لَمْ يَحْصُلِ الْبَتَّةَ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْمُؤَلَّفَةِ مُشْرِكِينَ بَلْ قَالَ: وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَأَلَّفَ قَوْمًا عَلَى هَذَا الْوَصْفِ وَيَدْفَعَ إِلَيْهِمْ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ لِأَنَّهُ [لَا] دَلِيلَ عَلَى نَسْخِهِ الْبَتَّةَ، الصِّنْفُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: وَفِي الرِّقابِ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَفِيهِ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَفِي فَكِّ الرِّقَابِ وَقَدْ مَضَى الِاسْتِقْصَاءُ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ: وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ [الْبَقَرَةِ: 177] ثُمَّ فِي تَفْسِيرِ الرِّقَابِ أَقْوَالٌ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: إِنَّ سَهْمَ الرِّقَابِ مَوْضُوعٌ فِي الْمُكَاتَبِينَ لِيَعْتِقُوا بِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: قَوْلُهُ: وَفِي الرِّقابِ يُرِيدُ الْمُكَاتَبَ وَتَأَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ [النُّورِ: 33] .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِعِتْقِ الرِّقَابِ يُشْتَرَى بِهِ عَبِيدٌ فَيَعْتِقُونَ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ، أَنَّهُ لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة ولكنه يُعْطَى مِنْهَا فِي رَقَبَةٍ وَيُعَانُ بِهَا مُكَاتَبٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَفِي الرِّقابِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ مَدْخَلٌ وَذَلِكَ يُنَافِي كَوْنَهُ تَامًّا فِيهِ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: قَالَ سَهْمُ الرِّقَابِ نِصْفَانِ، نِصْفٌ لِلْمُكَاتَبِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنِصْفٌ يُشْتَرَى بِهِ رِقَابٌ مِمَّنْ صَلَّوْا وَصَامُوا، وَقَدُمَ إِسْلَامُهُمْ فَيَعْتِقُونَ مِنَ الزَّكَاةِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالِاحْتِيَاطُ فِي سَهْمِ الرِّقَابِ دَفْعُهُ إِلَى السَّيِّدِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ الصَّدَقَاتِ لِلْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ بِلَامِ التَّمْلِيكِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَلَمَّا ذَكَرَ الرِّقَابَ أَبْدَلَ حَرْفَ اللَّامِ بِحَرْفِ فِي فَقَالَ: وَفِي الرِّقابِ فَلَا بُدَّ لِهَذَا الْفَرْقِ مِنْ فَائِدَةٍ، وَتِلْكَ الْفَائِدَةُ هِيَ أَنَّ تِلْكَ الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ يُدْفَعُ إِلَيْهِمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ حتى يتصرفوا فيها كما شاؤوا وأما فِي الرِّقابِ فَيُوضَعُ نَصِيبُهُمْ فِي تَخْلِيصِ رَقَبَتِهِمْ عَنِ الرق،

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 86
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست