responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 64
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: نَقَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَرَأَ وَلَأَوْقَصُوا مِنْ وَقَصَتِ النَّاقَةُ وَقْصًا إِذَا أَسْرَعَتْ وَأَوْقَصْتُهَا، وَقُرِئَ وَلَأَرْفَضُوا.
فَإِنْ قيل: كيف كتب في المصحف (ولا أوضعوا) بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ؟
أَجَابَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» بِأَنَّ الْفَتْحَةَ كَانَتْ أَلِفًا قَبْلَ الْخَطِّ الْعَرَبِيِّ وَالْخَطُّ الْعَرَبِيُّ اخْتُرِعَ قَرِيبًا مِنْ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَقَدْ بَقِيَ في ذَلِكَ الْأَلِفِ أَثَرٌ فِي الطِّبَاعِ، فَكَتَبُوا صُورَةَ الْهَمْزَةِ أَلِفًا وَفَتْحَتَهَا أَلِفًا أُخْرَى وَنَحْوُهُ (أَوْ لأذبحنه) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: خِلالَكُمْ أَيْ فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً [الْكَهْفِ:
33] وَقَوْلُهُ: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ [الْإِسْرَاءِ: 5] وَأَصْلُهُ مِنَ الْخَلَلِ، وَهُوَ الْفُرْجَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَجَمْعُهُ خِلَالٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [النُّورِ: 43] وَقُرِئَ مِنْ خَلَلِهِ وَهِيَ مَخَارِجُ مَصَبِّ الْقَطْرِ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: تَخَلَّلْتُ الْقَوْمَ إِذَا دَخَلْتَ بَيْنَ خَلَلِهِمْ وَخِلَالِهِمْ. وَيُقَالُ: جَلَسْنَا خِلَالَ بُيُوتِ الْحَيِّ وَخِلَالَ دُورِهِمْ أَيْ جَلَسْنَا بَيْنَ الْبُيُوتِ وَوَسَطَ الدُّورِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ أَيْ بِالنَّمِيمَةِ وَالْإِفْسَادِ وَقَوْلُهُ: يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ أَيْ يَبْغُونَ لَكُمْ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: ابْغِنِي كَذَا أَيْ اطْلُبْهُ لِي، وَمَعْنَى ابْغِنِي وَابْغِ لِي، سَوَاءٌ، وَإِذَا قَالَ ابْغِنِي، فَمَعْنَاهُ: أَعِنِّي عَلَى ما بغيته، ومعنى الْفِتْنَةَ هاهنا افْتِرَاقُ الْكَلِمَةِ وَظُهُورُ التَّشْوِيشِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ الْكَلَامِ هُوَ أَنَّهُمْ لَوْ خَرَجُوا فِيهِمْ مَا زَادُوهُمْ إِلَّا خَبَالًا، وَالْخَبَالُ هُوَ الْإِفْسَادُ الَّذِي يُوجِبُ اخْتِلَافَ الرَّأْيِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا فِي الْحُرُوبِ لِأَنَّ عِنْدَ حُصُولِ الِاخْتِلَافِ فِي الرَّأْيِ يَحْصُلُ الِانْهِزَامُ وَالِانْكِسَارُ عَلَى أَسْهَلِ الْوُجُوهِ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَمْشُونَ بَيْنَ الْأَكَابِرِ بِالنَّمِيمَةِ فَيَكُونُ الْإِفْسَادُ أَكْثَرَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ فَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ: فِيكُمْ عُيُونٌ لَهُمْ يَنْقُلُونَ إِلَيْهِمْ مَا يَسْمَعُونَ مِنْكُمْ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَابْنِ زَيْدٍ. وَالثَّانِي: قَالَ قَتَادَةُ: فِيكُمْ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَيَقْبَلُ قَوْلَهُمْ، فَإِذَا أَلْقَوْا إِلَيْهِمْ أَنْوَاعًا مِنَ الْكَلِمَاتِ الْمُوجِبَةِ لِضَعْفِ الْقَلْبِ قَبِلُوهَا وَفَتَرُوا بِسَبَبِهَا عَنِ الْقِيَامِ بِأَمْرِ الْجِهَادِ كَمَا يَنْبَغِي.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مَعَ قُوَّةِ دِينِهِمْ وَنِيَّتِهِمْ فِي الْجِهَادِ؟
قُلْنَا: لَا يَمْتَنِعُ فِيمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَنْ يُؤَثِّرَ قَوْلُ الْمُنَافِقِينَ فِيهِمْ وَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُ بَعْضِ النَّاسِ مَجْبُولِينَ عَلَى الْجُبْنِ وَالْفَشَلِ وَضَعْفِ الْقَلْبِ، فَيُؤَثِّرُ قَوْلُهُمْ فِيهِمْ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَقَارِبِ رُؤَسَاءِ الْمُنَافِقِينَ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ يُؤَثِّرُ قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِيهِمْ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: الْمُنَافِقُونَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى النِّفَاقِ وَلَا يَسْعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، ثُمَّ إِنَّ الْفَرِيقَ الثَّانِيَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَحْمِلُونَهُمْ عَلَى السَّعْيِ بِالْفَسَادِ بِسَبَبِ إِلْقَاءِ الشُّبُهَاتِ وَالْأَرَاجِيفِ إِلَيْهِمْ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، وَظَلَمُوا غَيْرَهُمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ سَعَوْا فِي إِلْقَاءِ غَيْرِهِمْ فِي وُجُوهِ الْآفَاتِ والمخالفات. واللَّه أعلم.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 64
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست