responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 60
وَالتَّقْدِيرُ: فِي أَنْ يُجَاهِدُوا إِلَّا أَنَّهُ حَسُنَ الْحَذْفُ لِظُهُورِهِ، ثُمَّ هَاهُنَا قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: إِجْرَاءُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ إِضْمَارٍ آخَرَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَأْذِنُوكَ فِي أَنْ يُجَاهِدُوا، وَكَانَ الْأَكَابِرُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يَقُولُونَ لَا نَسْتَأْذِنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ، فَإِنَّ رَبَّنَا نَدَبَنَا إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الِاسْتِئْذَانِ؟ وَكَانُوا بِحَيْثُ لَوْ أَمَرَهُمُ الرَّسُولُ بِالْقُعُودِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى
أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَبْقَى فِي الْمَدِينَةِ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْضَ إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ الرَّسُولُ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» .
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ هاهنا من إضمار آخر، وقالوا لِأَنَّ تَرْكَ اسْتِئْذَانِ الْإِمَامِ فِي الْجِهَادِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَهَؤُلَاءِ ذَمَّهُمُ اللَّهُ فِي تَرْكِ هَذَا الِاسْتِئْذَانِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِضْمَارِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا يَسْتَأْذِنُكَ هَؤُلَاءِ فِي أَنْ لَا يجاهدوا، إلا أنه حذف حرف النفي، ونظير قَوْلُهُ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النِّسَاءِ: 176] وَالَّذِي دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ أَنَّ مَا قَبْلَ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُصُولَ هَذَا الذَّمِّ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ فِي الْقُعُودِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الِانْتِقَالَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْإِيمَانِ قَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ الشَّكِّ فِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ الْجَزْمِ وَالْقَطْعِ بِعَدَمِهِ، بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ عَدَمَ إِيمَانِ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّاكَّ الْمُرْتَابَ غَيْرُ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ. وَهَاهُنَا سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعِلْمَ إِذَا كَانَ اسْتِدْلَالِيًّا كَانَ وُقُوعُ الشَّكِّ فِي الدَّلِيلِ يُوجِبُ وُقُوعَ الشَّكِّ في المدلول، ووقع الشَّكِّ فِي مُقَدِّمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ يَكْفِي فِي حُصُولِ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الدَّلِيلِ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ إِذَا وَقَعَ لَهُ سُؤَالٌ وَإِشْكَالٌ فِي مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ أَنْ يَصِيرَ شَاكًّا فِي الْمَدْلُولِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَخْرُجَ الْمُؤْمِنُ عَنْ إِيمَانِهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، بِسَبَبِ أَنَّهُ خَطَرَ بِبَالِهِ سُؤَالٌ وَإِشْكَالٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَثَبَتَ أَنَّ بِنَاءَ الْإِيمَانِ لَيْسَ عَلَى الدَّلِيلِ بَلْ عَلَى التَّقْلِيدِ فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِيمَانِ هُوَ التَّقْلِيدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُسْلِمَ وَإِنَّ عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ فِي صِحَّةِ بَعْضِ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلٍ وَاحِدٍ إِلَّا أَنَّ سَائِرَ الدَّلَائِلِ سَلِيمَةٌ عِنْدَهُ مِنَ الطَّعْنِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ بَقِيَ إِيمَانُهُ دَائِمًا مُسْتَمِرًّا.
السُّؤَالُ الثَّانِي: أَلَيْسَ أَنَّ أَصْحَابَكُمْ يَقُولُونَ: إِنَّا مؤمن إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ يَقْتَضِي حُصُولَ الشَّكِّ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّا اسْتَقْصَيْنَا فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الْأَنْفَالِ: 74] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْكَرَّامِيَّةُ: الْإِيمَانُ هُوَ مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى شَهِدَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُؤْمِنِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الرَّيْبِ هُوَ الْقَلْبُ فَقَطْ، وَمَتَى كَانَ مَحَلُّ الرَّيْبِ هُوَ الْقَلْبَ كَانَ مَحَلُّ الْمَعْرِفَةِ، وَالْإِيمَانِ أَيْضًا هُوَ الْقَلْبَ، لِأَنَّ مَحَلَّ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَحَلًّا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 60
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست