responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 43
انْقَادَتْ، فَالْحِسَابُ يُسَمَّى دِينًا، لِأَنَّهُ يُوجِبُ الِانْقِيَادَ، وَالْعِدَّةُ تُسَمَّى دِينًا، فَلَمْ يَكُنْ حَمْلُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى التَّعَبُّدِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْحِسَابِ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَعْتَبِرُوا فِي بُيُوعِهِمْ وَمُدَدِ دُيُونِهِمْ وَأَحْوَالِ زَكَوَاتِهِمْ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِمُ السَّنَةَ الْعَرَبِيَّةَ بِالْأَهِلَّةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمُ اعْتِبَارُ السَّنَةِ الْعَجَمِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَفِيهِ بَحْثَانِ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فِيهِنَّ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُرَادَ: فَلَا تَظْلِمُوا فِي الشُّهُورِ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَنْفُسَكُمْ، وَالْمَقْصُودُ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفَسَادِ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: فِيهِنَّ عَائِدٌ إِلَى الْأَرْبَعَةِ الْحُرُمِ قَالُوا: وَالسَّبَبُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ لِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَثَرًا فِي زِيَادَةِ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْمَحْظُورَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: فِيهِنَّ عَائِدٌ إِلَى الْمَذْكُورِ السَّابِقِ فَوَجَبَ عَوْدُهُ إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورَاتِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا قَوْلُهُ: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ هَذِهِ الْأَشْهُرَ بِمَزِيدِ الِاحْتِرَامِ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُهُ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [الْبَقَرَةِ: 197] فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي غَيْرِ الْحَجِّ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ فِي الْمَنْعِ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَنْبِيهًا عَلَى زِيَادَتِهَا فِي الشَّرَفِ. / الثَّالِثُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: الْأَوْلَى رُجُوعُهَا إِلَى الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ فِيمَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ (فِيهِنَّ) فَإِذَا جَاوَزَ هَذَا الْعَدَدَ قَالُوا (فِيهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ يُكَنَّى عَنْهُ كَمَا يُكَنَّى عَنْ جَمَاعَةٍ مُؤَنَّثَةٍ، وَيُكَنَّى عَنْ جَمْعِ الْكَثْرَةِ، كَمَا يُكَنَّى عَنْ وَاحِدَةٍ مُؤَنَّثَةٍ، كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
لَنَا الْجَفَنَاتُ الْغُرُّ يَلْمَعْنَ فِي الضُّحَى ... وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا
قَالَ: يَلْمَعْنَ وَيَقْطُرْنَ، لِأَنَّ الْأَسْيَافَ وَالْجَفَنَاتِ جَمْعُ قِلَّةٍ، وَلَوْ جَمَعَ جَمْعَ الْكَثْرَةِ لَقَالَ: تَلْمَعُ وَتَقْطُرُ، هَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ، ثُمَّ يَجُوزُ إِجْرَاءُ أَحَدِهِمَا مَجْرَى الْآخَرِ كَقَوْلِ النَّابِغَةُ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
فَقَالَ بِهِنَّ وَالسُّيُوفُ جَمْعُ كَثْرَةٍ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ هَذَا الظُّلْمِ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ مِنْهُ النَّسِيءُ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَهُ فَيَنْقُلُونَ الْحَجَّ مِنَ الشَّهْرِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِإِقَامَتِهِ فِيهِ إِلَى شَهْرٍ آخَرَ، وَيُغَيِّرُونَ تَكَالِيفَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُقَاتَلَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي بِسَبَبِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْهُرِ مَزِيدَ أَثَرٍ فِي تَعْظِيمِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي حَمْلُهُ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ النَّسِيءِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ عَقِيبَ الْآيَةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَفِيهِ مَبَاحِثُ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: كَافَّةً أَيْ جَمِيعًا، وَالْكَافَّةُ لَا تَكُونُ مُذَكَّرَةً وَلَا مَجْمُوعَةً عَلَى عَدَدِ الرِّجَالِ فَنَقُولُ: كَافِّينَ، أَوْ كَافَّاتٍ لِلنِّسَاءِ وَلَكِنَّهَا (كَافَّةً) بِالْهَاءِ وَالتَّوْحِيدِ، لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى لَفْظِ فَاعِلَةٍ فَإِنَّهَا فِي تَرْتِيبِ مَصْدَرٍ مِثْلَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُدْخِلِ الْعَرَبُ فِيهَا الْأَلِفَ وَاللَّامَ، لِأَنَّهَا فِي مَذْهَبِ قَوْلِكَ قَامُوا مَعًا، وَقَامُوا جَمِيعًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كَافَّةً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعَ، كَمَا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ:
قَاتِلُوهُمْ عَامَّةً، لَمْ تُثَنِّ وَلَمْ تَجْمَعْ، وَكَذَلِكَ خَاصَّةً.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 43
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست