responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 35
فَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَى الْحَقِّ لَزِمَهُمْ/ مُتَابَعَتُهُ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ يَبْطُلُ حُكْمُهُمْ وَتَزُولُ حُرْمَتُهُمْ فَلِأَجْلِ الْخَوْفِ مِنْ هَذَا الْمَحْذُورِ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي الْمَنْعِ مِنْ مُتَابَعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وو سلّم، وَيُبَالِغُونَ فِي إِلْقَاءِ الشُّبُهَاتِ وَفِي اسْتِخْرَاجِ وُجُوهِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ، وَفِي مَنْعِ الْخَلْقِ مِنْ قَبُولِ دِينِهِ الْحَقِّ وَالِاتِّبَاعِ لِمَنْهَجِهِ الصَّحِيحِ.
ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ احْتِمَالَاتٌ ثَلَاثَةٌ: لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ أُولَئِكَ الْأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَلَامًا مُبْتَدَأً عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ مِنْهُ مَانِعُو الزَّكَاةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ كُلَّ مَنْ كَنَزَ الْمَالَ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ أَوْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِأَبِي ذَرٍّ فَقُلْتُ يَا أَبَا ذَرٍّ مَا أَنْزَلَكَ هَذِهِ الْبِلَادَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فَقَرَأْتُ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُلْتُ: إِنَّهَا فِيهِمْ وَفِينَا، فَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْوَحْشَةِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ أَقْبِلْ إِلَيَّ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ انْحَرَفَ النَّاسُ عَنِّي، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي مِنْ قَبْلُ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ لِي تَنَحَّ قَرِيبًا إِنِّي وَاللَّهِ لَنْ أَدَعَ مَا كُنْتُ أَقُولُ. وَعَنِ الْأَحْنَفِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: بَشِّرِ الْكَافِرِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُوضَعَ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ نُغَضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَرْفَضَّ بَدَنُهُ، وَتُوضَعَ عَلَى نُغَضِ كَتِفِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ ذَلِكَ تَرَكُوهُ فَاتَّبَعْتُهُ وَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ: فَقَالَ مَا عَسَى أَنْ يَصْنَعَ فِيَّ قُرَيْشٌ.
قَالَ مَوْلَانَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ تَخْصِيصَ هَذَا الْوَعِيدِ بِمَنْ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، كَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِالْحِرْصِ الشَّدِيدِ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِقَوْلِهِ: لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَوَصَفَهُمْ أَيْضًا بِالْبُخْلِ الشَّدِيدِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ إِخْرَاجِ الْوَاجِبَاتِ عَنْ أَمْوَالِ أَنْفُسِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ قُبْحَ طَرِيقَتِهِمْ فِي الْحِرْصِ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، ثُمَّ نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى إِخْرَاجِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَبَيَّنَ مَا فِي تَرْكِهِ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْكُلَّ، كَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِالْحِرْصِ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِوَعِيدِ كُلِّ مَنِ امْتَنَعَ عَنْ إِخْرَاجِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ مِنْ مَالِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَالُ مَنْ أَمْسَكَ مَالَ نَفْسِهِ بِالْبَاطِلِ كَذَلِكَ/ فَمَا ظَنُّكَ بِحَالِ مَنْ سَعَى فِي أَخْذِ مَالِ غَيْرِهِ بِالْبَاطِلِ وَالتَّزْوِيرِ وَالْمَكْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَصْلُ الْكَنْزِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الْجَمْعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ جُمِعَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فَهُوَ مَكْنُوزٌ، يُقَالُ: هَذَا جِسْمٌ مُكْتَنِزُ الْأَجْزَاءِ إِذَا كَانَ مُجْتَمِعَ الْأَجْزَاءِ، وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْكَنْزِ الْمَذْمُومِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُلُّ مَا أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ سَبْعِ أَرَضِينَ، وَكُلُّ مَا لَمْ تُؤَدِّ زَكَاتَهُ فَهُوَ كَنْزٌ وَإِنْ كَانَ فَوْقَ الْأَرْضِ، وَقَالَ جَابِرٌ: إِذَا أَخْرَجْتَ الصَّدَقَةَ مِنْ مالك فَقَدْ أَذْهَبْتَ عَنْهُ شَرَّهُ وَلَيْسَ بِكَنْزٍ. وَقَالَ ابن عباس:

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 35
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست