responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 28
أَنْكَرَ الْإِلَهَ، وَأَيْضًا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي الشِّرْكِ، وَإِنْ كَانَتْ طُرُقُ الْقَوْلِ بِالشِّرْكِ مُخْتَلِفَةً، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ الصَّنَمَ وَبَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ الْمَسِيحَ وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلشِّرْكِ إِلَّا أَنْ يَتَّخِذَ الْإِنْسَانُ مَعَ اللَّهِ مَعْبُودًا، فَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْمَعْنَى فَقَدْ حَصَلَ الشِّرْكُ، بَلْ إِنَّا لَوْ تَأَمَّلْنَا لَعَلِمْنَا أَنَّ كُفْرَ عَابِدِ الْوَثَنِ أَخَفُّ مِنْ كُفْرِ النَّصَارَى، لَأَنَّ عَابِدَ الْوَثَنِ لَا يَقُولُ إِنَّ هَذَا الْوَثَنَ خَالِقُ الْعَالَمِ وَإِلَهُ الْعَالَمِ، بَلْ يُجْرِيهِ مَجْرَى الشَّيْءِ الَّذِي يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ. أَمَّا النَّصَارَى فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ وَذَلِكَ كُفْرٌ قَبِيحٌ جِدًّا، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْحُلُولِيَّةِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا خَصَّهُمْ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ فِي الظَّاهِرِ أَلْصَقُوا أَنْفُسَهُمْ بموسى وعيسى، وادعى أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَلِأَجْلِ تَعْظِيمِ هَذَيْنِ الرَّسُولَيْنِ الْمُعَظَّمَيْنِ وَتَعْظِيمِ كِتَابَيْهِمَا وَتَعْظِيمِ أَسْلَافِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِسَبَبِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ، حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: إِنَّمَا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنَ الْيَهُودِ اسْمُهُ فِنْحَاصُ بْنُ عَازُورَاءَ. الثَّانِي:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ: أَتَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ: سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ أَوْفَى، وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُكَ وَقَدْ تركت قبلتنا، ولا تزعم أن عزيزا ابْنُ اللَّهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ بَعْضُ الْيَهُودِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ نَسَبَ ذَلِكَ الْقَوْلَ إِلَى الْيَهُودِ بِنَاءً عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إِيقَاعِ اسْمِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ، يُقَالُ فُلَانٌ يَرْكَبُ الْخُيُولَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَرْكَبْ إِلَّا وَاحِدًا مِنْهَا، وَفُلَانٌ يُجَالِسُ السَّلَاطِينَ وَلَعَلَّهُ لَا يُجَالِسُ إِلَّا وَاحِدًا.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لَعَلَّ هَذَا الْمَذْهَبَ كَانَ فَاشِيًا فِيهِمْ ثُمَّ انْقَطَعَ، فَحَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِ الْيَهُودِ ذَلِكَ، فَإِنَّ حِكَايَةَ اللَّهِ عَنْهُمْ أَصْدَقُ. وَالسَّبَبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْيَهُودَ أَضَاعُوا التَّوْرَاةَ وَعَمِلُوا بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَأَنْسَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى التَّوْرَاةَ وَنَسَخَهَا مِنْ صُدُورِهِمْ فَتَضَرَّعَ عزيز إِلَى اللَّهِ وَابْتَهَلَ إِلَيْهِ فَعَادَ حِفْظُ التَّوْرَاةِ إِلَى قَلْبِهِ، فَأَنْذَرَ قَوْمَهُ بِهِ، فَلَمَّا جَرَّبُوهُ وَجَدُوهُ صَادِقًا فِيهِ، فَقَالُوا مَا تَيَسَّرَ هَذَا لِعُزَيْرٍ إِلَّا أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَتَلَ بُخَتُنَصَّرُ عُلَمَاءَهُمْ فَلَمْ يَبْقَ/ فِيهِمْ أَحَدٌ يَعْرِفُ التَّوْرَاةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْعَمَالِقَةُ قَتَلُوهُمْ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِمْ أَحَدٌ يَعْرِفُ التَّوْرَاةَ، فَهَذَا مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَأَمَّا حِكَايَةُ اللَّهِ عَنِ النَّصَارَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ:
الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، فَهِيَ ظَاهِرَةٌ لَكِنْ فِيهَا إِشْكَالٌ قَوِيٌّ، وَهِيَ أَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الْمَسِيحَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَصْحَابُهُ كَانُوا مُبَرَّئِينَ مِنْ دَعْوَةِ النَّاسِ إِلَّا الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، فَإِنَّ هَذَا أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِأَكَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؟
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يُعْقَلُ إِطْبَاقُ جُمْلَةِ مُحِبِّي عِيسَى مِنَ النَّصَارَى عَلَى هَذَا الْكُفْرِ، وَمَنِ الَّذِي وَضَعَ هَذَا الْمَذْهَبَ الْفَاسِدَ، وَكَيْفَ قَدِرَ عَلَى نِسْبَتِهِ إِلَى الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ:
إِنَّ أَتْبَاعَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ بَعْدَ رَفْعِ عِيسَى حَتَّى وَقَعَ حَرْبٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ، وَكَانَ فِي الْيَهُودِ رَجُلٌ شُجَاعٌ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ قَتَلَ جَمْعًا مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى، ثُمَّ قَالَ لِلْيَهُودِ إِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعَ عِيسَى فَقَدْ كَفَرْنَا وَالنَّارُ مَصِيرُنَا وَنَحْنُ مَغْبُونُونَ إِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَدَخَلْنَا النار، وإني أحتال فأضلهم، فعوقب فَرَسَهُ وَأَظْهَرَ النَّدَامَةَ مِمَّا كَانَ يَصْنَعُ وَوَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ وَقَالَ: نُودِيتُ مِنَ السَّمَاءِ لَيْسَ لَكَ تَوْبَةٌ إِلَّا أَنْ تَتَنَصَّرَ، وَقَدْ تُبْتُ فَأَدْخَلَهُ النَّصَارَى الْكَنِيسَةَ وَمَكَثَ سَنَةً لَا يَخْرُجُ وَتَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَ فَصَدَّقُوهُ وَأَحَبُّوهُ، ثُمَّ مَضَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 28
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست