responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 178
الصِّفَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَفِي تَفْسِيرِهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: يُرِيدُ أَنَّهُ بَشَرٌ مُثُلُكُمْ كَقَوْلِهِ: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ [يُونُسَ: 2] وَقَوْلِهِ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [فُصِّلَتْ: 6] وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ لَصَعُبَ الْأَمْرُ بِسَبَبِهِ عَلَى النَّاسِ، عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ. وَالثَّانِي: مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَيْ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ فِي الْعَرَبِ قَبِيلَةٌ إِلَّا وَقَدْ وَلَدَتِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسَبَبِ الْجَدَّاتِ، مُضَرِهَا وَرَبِيعِهَا وَيَمَانِيِّهَا، فَالْمُضَرِيُّونَ وَالرَّبِيعِيُّونَ هُمُ الْعَدْنَانِيَّةُ، وَالْيَمَانِيُّونَ هُمُ الْقَحْطَانِيَّةُ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آلِ عِمْرَانَ: 164] وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَرْغِيبُ الْعَرَبِ فِي نُصْرَتِهِ، وَالْقِيَامُ بِخِدْمَتِهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: كُلُّ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الدَّوْلَةِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ سَبَبٌ لِعِزِّكُمْ وَلِفَخْرِكُمْ، لِأَنَّهُ مِنْكُمْ وَمِنْ نَسَبِكُمْ وَالثَّالِثُ: مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِطَابٌ لِأَهْلِ الْحَرَمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يُسَمُّونَ أَهْلَ الْحَرَمِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ، وَكَانُوا يَخْدِمُونَهُمْ وَيَقُومُونَ بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِهِمْ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لِلْعَرَبِ: كُنْتُمْ قَبْلَ مَقْدِمِهِ مُجِدِّينَ مُجْتَهِدِينَ فِي خِدْمَةِ أَسْلَافِهِ وَآبَائِهِ، فَلِمَ تَتَكَاسَلُونَ فِي خِدْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لَهُ فِي الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ إِلَى أَسْلَافِهِ؟
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى طَهَارَتِهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: هُوَ مِنْ عَشِيرَتِكُمْ تَعْرِفُونَهُ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعَفَافِ وَالصِّيَانَةِ، وَتَعْرِفُونَ كَوْنَهُ حَرِيصًا عَلَى دَفْعِ الْآفَاتِ عَنْكُمْ وَإِيصَالِ الْخَيْرَاتِ إِلَيْكُمْ، وَإِرْسَالُ مَنْ هَذِهِ حَالَتُهُ وَصِفَتُهُ يَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. وَقُرِئَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَيْ مِنْ أَشْرَفِكُمْ وَأَفْضَلِكُمْ، وَقِيلَ: هِيَ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَفَاطِمَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ اعْلَمْ أَنَّ الْعَزِيزَ هُوَ الْغَالِبُ الشَّدِيدُ، وَالْعِزَّةُ هِيَ الْغَلَبَةُ وَالشِّدَّةُ. فَإِذَا وَصَلَتْ مَشَقَّةٌ إِلَى الْإِنْسَانِ عَرَفَ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْعِهَا إِذْ لَوْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهَا لَمَا قَصَّرَ فِي ذَلِكَ الدَّفْعِ، فَحَيْثُ لَمْ يَدْفَعْهَا، عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْعِهَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ غَالِبَةً عَلَى الْإِنْسَانِ. فَلِهَذَا السَّبَبِ إِذَا اشْتَدَّ عَلَى الْإِنْسَانِ شَيْءٌ قَالَ: عَزَّ عَلِيَّ هَذَا، وَأَمَّا الْعَنَتُ فَيُقَالُ: عَنِتَ الرَّجُلُ يَعْنَتُ عَنَتًا إِذَا وَقَعَ فِي مَشَقَّةٍ وَشِدَّةٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ [النِّسَاءِ: 25] وَقَوْلُهُ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 220] وَقَالَ الْفَرَّاءُ: (مَا) فِي قَوْلِهِ: مَا عَنِتُّمْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَالْمَعْنَى: عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُكُمْ، أَيْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَكْرُوهُكُمْ، وَأَوْلَى الْمَكَارِهِ بِالدَّفْعِ مَكْرُوهُ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ إِنَّمَا أُرْسِلَ لِيَدْفَعَ هَذَا الْمَكْرُوهَ.
وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ وَالْحِرْصُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِذَوَاتِهِمْ، بَلِ الْمُرَادُ حَرِيصٌ عَلَى إِيصَالِ الْخَيْرَاتِ إِلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ قَوْلُهُ: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ مَعْنَاهُ: شَدِيدَةٌ مَعَزَّتُهُ عَنْ وُصُولِ شَيْءٍ مِنْ آفَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَيْكُمْ، وَبِهَذَا التقدير لا يتصل التَّكْرَارُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْحَرِيصُ الشَّحِيحُ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ شَحِيحٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا النَّارَ، وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْخُلُوَّ عَنِ الْفَائِدَةِ.
وَالصِّفَةُ الرَّابِعَةُ والخامسة: قوله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِاِسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ. بَقِيَ هاهنا سؤالان:

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 178
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست