responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 167
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: المراد بقوله: كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ أَيْ كُونُوا عَلَى طَرِيقَةِ الصَّادِقِينَ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِوَلَدِهِ: كُنْ مَعَ الصَّالِحِينَ، لَا يُفِيدُ إِلَّا ذَلِكَ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَانِ الرَّسُولِ فَقَطْ، فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالْكَوْنِ مَعَ الرَّسُولِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ صَادِقٍ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّادِقُ هُوَ الْمَعْصُومَ الَّذِي يَمْتَنِعُ خُلُوُّ زَمَانِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ كَمَا تَقُولُهُ الشِّيعَةُ؟
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أن قوله: كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ أَمْرٌ بِمُوَافَقَةِ الصَّادِقِينَ، وَنَهْيٌ عَنْ مُفَارَقَتِهِمْ، وَذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِوُجُودِ الصَّادِقِينَ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، فَدَلَّتْ هَذِهِ/ الْآيَةُ عَلَى وُجُودِ الصَّادِقِينَ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنْ يَكُونُوا عَلَى طَرِيقَةِ الصَّادِقِينَ. فَنَقُولُ: أَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. قَوْلُهُ:
هَذَا الْأَمْرُ مُخْتَصٌّ بِزَمَانِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ الظَّاهِرِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ التَّكَالِيفَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ إِلَى قِيَامِ الْقِيَامَةِ، فَكَانَ الْأَمْرُ فِي هَذَا التَّكْلِيفِ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الصِّيغَةَ تَتَنَاوَلُ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَالثَّالِثُ: لَمَّا لَمْ يَكُنِ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ مَذْكُورًا فِي لَفْظِ الْآيَةِ لَمْ يَكُنْ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْبَاقِي، فَإِمَّا أَنْ لَا يُحْمَلَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ فَيُفْضِي إِلَى التَّعْطِيلِ وَهُوَ بَاطِلٌ، أَوْ عَلَى الْكُلِّ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَالرَّابِعُ: وهو أن قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ أَمْرٌ لَهُمْ بِالتَّقْوَى، وَهَذَا الْأَمْرُ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَّقِيًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ جَائِزَ الْخَطَأِ، فَكَانَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ جَائِزَ الْخَطَأِ وَجَبَ كَوْنُهُ مُقْتَدِيًا بِمَنْ كَانَ وَاجِبَ الْعِصْمَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِمْ صَادِقِينَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى جَائِزِ الْخَطَأِ كَوْنُهُ مَعَ الْمَعْصُومِ عَنِ الْخَطَأِ حَتَّى يَكُونَ الْمَعْصُومُ عَنِ الْخَطَأِ مَانِعًا لِجَائِزِ الْخَطَأِ عَنِ الْخَطَأِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، فَوَجَبَ حُصُولُهُ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ. قَوْلُهُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ كَوْنَ الْمُؤْمِنِ مَعَ الْمَعْصُومِ الْمَوْجُودِ فِي كُلِّ زَمَانٍ؟
قُلْنَا: نَحْنُ نَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْصُومٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ الْمَعْصُومُ هُوَ مَجْمُوعُ الْأُمَّةِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: ذَلِكَ الْمَعْصُومُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَنَقُولُ: هَذَا الثَّانِي بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ الصَّادِقَ مَنْ هُوَ لَا الْجَاهِلَ بِأَنَّهُ مَنْ هُوَ، فَلَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِالْكَوْنِ مَعَهُ كَانَ ذَلِكَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لَكِنَّا لَا نَعْلَمُ إِنْسَانًا مُعَيَّنًا مَوْصُوفًا بِوَصْفِ الْعِصْمَةِ، وَالْعِلْمُ بِأَنَّا لَا نَعْلَمُ هَذَا الْإِنْسَانَ حَاصِلٌ بِالضَّرُورَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ لَيْسَ أَمْرًا بِالْكَوْنِ مَعَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَلَمَّا بَطَلَ هَذَا بَقِيَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْكَوْنُ مَعَ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ حَقٌّ وَصَوَابٌ ولا معنى لقولنا الإجماع إِلَّا ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى فَضْلِ الصِّدْقِ وَكَمَالِ دَرَجَتِهِ، وَالَّذِي يُؤَيِّدُهُ مِنَ الْوُجُوهِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ:
رُوِيَ أَنَّ وَاحِدًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ عليه السلام وقال: إني رجل أريد أن أو من بِكَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ الْخَمْرَ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةَ وَالْكَذِبَ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ إِنَّكَ تُحَرِّمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَلَا طَاقَةَ لِي عَلَى تَرْكِهَا بِأَسْرِهَا، فَإِنْ قَنِعْتَ مِنِّي بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا آمَنْتُ بِكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ/ «اتْرُكِ الْكَذِبَ» فَقَبِلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَرَضُوا عَلَيْهِ الْخَمْرَ، فَقَالَ: إِنْ شَرِبْتُ وَسَأَلَنِي الرَّسُولُ عَنْ شُرْبِهَا وَكَذَبْتُ فَقَدْ نقضت

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 167
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست