responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 155
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّسْوِيَةَ قَدْ تَجِيءُ بِالْوَاوِ تَارَةً وَبِغَيْرِ الْوَاوِ أُخْرَى. قَالَ تَعَالَى: غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ [غَافِرٍ: 3] فَجَاءَ بَعْضٌ بِالْوَاوِ، وَبَعْضٌ بِغَيْرِ الْوَاوِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ التَّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الصِّفَاتِ الستة، ثُمَّ قَالَ:
الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ والتقدير: أن الموصوفين الصفات السِّتَّةِ، الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ رَأْسَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَرَئِيسَهُ، هُوَ الْجِهَادُ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ إِدْخَالِ الْوَاوِ عَلَيْهِ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي إِدْخَالِ الْوَاوِ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ مِنَ الصِّفَاتِ عِبَادَاتٌ يَأْتِي بِهَا الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ، وَلَا تَعَلُّقَ لِشَيْءٍ مِنْهَا بِالْغَيْرِ. أَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَعِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْغَيْرِ، وَهَذَا النَّهْيُ يُوجِبُ ثَوَرَانَ الْغَضَبِ وَظُهُورَ الْخُصُومَةِ، وَرُبَّمَا أَقْدَمَ ذَلِكَ الْمَنْهِيُّ عَلَى ضَرْبِ النَّاهِي وَرُبَّمَا حَاوَلَ قَتْلَهُ، فَكَانَ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ أَصْعَبَ أَقْسَامِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْوَاوَ تَنْبِيهًا عَلَى مَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ وَالْمِحْنَةِ.
الصِّفَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ: وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ تَكَالِيفَ اللَّهِ، كَثِيرَةٌ وَهِيَ مَحْصُورَةٌ فِي نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ. وَالثَّانِي: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَامَلَاتِ. أَمَّا الْعِبَادَاتُ فَهِيَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا لَا لِمَصْلَحَةٍ مَرْعِيَّةٍ فِي الدُّنْيَا، بَلْ لِمَصَالِحَ مَرْعِيَّةٍ فِي الدِّينِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَالْإِعْتَاقُ وَالنُّذُورُ وَسَائِرُ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَهِيَ: إِمَّا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَإِمَّا لِدَفْعِ الْمَضَارِّ.
وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَلْبِ الْمَنَافِعِ: فَتِلْكَ الْمَنَافِعُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً بِالْأَصَالَةِ أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ، أَمَّا الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ بِالْأَصَالَةِ، فَهِيَ الْمَنَافِعُ الْحَاصِلَةُ مِنْ طَرَفِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسَةِ: فَأَوَّلُهَا: الْمَذُوقَاتُ: وَيَدْخُلُ فِيهَا كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ مِنَ الْفِقْهِ. وَلَمَّا كَانَ الطَّعَامُ قَدْ يَكُونُ نَبَاتًا، وَقَدْ يَكُونُ حَيَوَانًا، وَالْحَيَوَانُ لَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ إِلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ، وَاللَّهُ تَعَالَى شَرَطَ فِي الذَّبْحِ شَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، فَلِأَجْلِ هَذَا دَخَلَ فِي الْفِقْهِ كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ، وَكِتَابُ الضَّحَايَا. وَثَانِيهَا: الْمَلْمُوسَاتُ: وَيَدْخُلُ فِيهَا بَابُ أَحْكَامِ الْوِقَاعِ مِنْ جُمْلَتِهَا مَا يُفِيدُ حِلَّهُ، وَهُوَ بَابُ النِّكَاحِ، وَمِنْهُ أَيْضًا بَابُ الرِّضَاعِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ بَحْثٌ عَنْ لَوَازِمِ النِّكَاحِ مِثْلُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمَسْكَنِ وَيَتَّصِلُ بِهِ أَحْوَالُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ بَحْثٌ عَنِ الْأَسْبَابِ الْمُزِيلَةِ لِلنِّكَاحِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ كِتَابُ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ/ وَاللِّعَانِ. وَمِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَلْمُوسَاتِ: الْبَحْثُ عَمَّا يَحِلُّ لِبْسُهُ وَعَمَّا لَا يَحِلُّ، وَعَمَّا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ وَعَمَّا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ، وَمَا لَا يَحِلُّ. كَاسْتِعْمَالِهِ الْأَوَانِيَ الذَّهَبِيَّةَ وَالْفِضِّيَّةَ، وَطَالَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَثَالِثُهَا: الْمُبْصَرَاتُ وَهِيَ بَابُ مَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ وَمَا لَا يَحِلُّ. وَرَابِعُهَا: الْمَسْمُوعَاتُ: وَهُوَ بَابُ هَلْ يَحِلُّ سَمَاعُهُ أَمْ لَا؟ وَخَامِسُهَا: الْمَشْمُومَاتُ، وَلَيْسَ لِلْفُقَهَاءِ فِيهَا مَجَالٌ. وَأَمَّا الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ بِالتَّبَعِ فَهِيَ الْأَمْوَالُ، وَالْبَحْثُ عَنْهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: الْأَسْبَابُ الْمُفِيدَةُ لِلْمِلْكِ وَهِيَ إِمَّا الْبَيْعُ أَوْ غَيْرُهُ. أَمَّا الْبَيْعُ فَهُوَ إِمَّا بَيْعُ الْأَعْيَانِ، أَوْ بَيْعُ الْمَنَافِعِ وَبَيْعُ الْأَعْيَانِ. فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ، أَوْ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ السَّلَمُ، أَوْ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ كَمَا إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ، أَوْ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ. لِمَا
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ،
وَلَكِنْ حَصَلَ لَهُ مِثَالٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ تَقَاضِي الدَّيْنَيْنِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كِتَابُ الْإِجَارَةِ، وَكِتَابُ الْجَعَالَةِ، وَكِتَابُ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْمِلْكِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 155
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست