responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 132
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. تَابُوا عَنِ النِّفَاقِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، لَا لِلْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، لَكِنْ لِلْكَسَلِ، ثُمَّ نَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا ثُمَّ تَابُوا، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَآخَرُونَ عِطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَالْعَطْفُ يُوهِمُ التَّشْرِيكَ إِلَّا أَنَّهُ/ تَعَالَى وَفَّقَهُمْ حَتَّى تَابُوا، فَلَمَّا ذَكَرَ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ بِالْمُرُودِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ. وَصَفَ هَذِهِ الْفِرْقَةَ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ عَنِ النِّفَاقِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً: أَبُو لُبَابَةَ مَرْوَانُ بْنُ عَبَدِ الْمُنْذِرِ، وَأَوْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَوَدِيعَةُ بْنُ حِزَامٍ، وَقِيلَ: كَانُوا عَشَرَةً. فَسَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَوْثَقُوا أَنْفُسَهُمْ لَمَّا بَلَغَهُمْ مَا نَزَلَ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ فَأَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ، وَأَوْثَقُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَكَانَتْ هَذِهِ عَادَتَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ ورآهم مؤثقين، سَأَلَ عَنْهُمْ فَذُكِرَ لَهُ أَنَّهُمْ أَقْسَمُوا أَنْ لَا يَحُلُّوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَحُلُّهُمْ، فَقَالَ: وَأَنَا أُقْسِمُ أَنِّي لا أحلهم حتى أومر فِيهِمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَأَطْلَقَهُمْ وَعَذَرَهُمْ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ أَمْوَالُنَا وَإِنَّمَا تَخَلَّفْنَا عَنْكَ بِسَبَبِهَا، فَتَصَدَّقْ بِهَا وَطَهِّرْنَا، فَقَالَ: مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا فَنَزَلَ قوله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103] الْآيَةَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الِاعْتِرَافُ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالشَّيْءِ عَنْ مَعْرِفَةٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِذَنْبِهِمْ، وَفِيهِ دَقِيقَةٌ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَمْ يَعْتَذِرُوا عَنْ تَخَلُّفِهِمْ بِالْأَعْذَارِ الْبَاطِلَةِ كَغَيْرِهِمْ، وَلَكِنِ اعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ بِئْسَمَا فَعَلُوا وَأَظْهَرُوا النَّدَامَةَ وَذَمُّوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى ذَلِكَ التَّخَلُّفِ.
فَإِنْ قِيلَ: الِاعْتِرَافُ بِالذَّنْبِ هَلْ يَكُونُ تَوْبَةً أَمْ لَا؟
قُلْنَا: مُجَرَّدُ الِاعْتِرَافِ بِالذَّنْبِ لَا يَكُونُ تَوْبَةً، فَأَمَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِهِ النَّدَمُ عَلَى الْمَاضِي، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَانَ هَذَا النَّدَمُ وَالتَّوْبَةُ لِأَجْلِ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، كَانَ هَذَا الْمَجْمُوعُ تَوْبَةً، إِلَّا أَنَّهُ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ تَابُوا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وَالْمُفَسِّرُونَ قَالُوا: إِنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً وَفِيهِ بَحْثَانِ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: فِي هَذَا الْعَمَلِ الصَّالِحِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الِاعْتِرَافُ بِالذَّنْبِ وَالنَّدَامَةُ عَلَيْهِ وَالتَّوْبَةُ مِنْهُ، وَالسَّيِّءُ هُوَ التَّخَلُّفُ عَنِ الْغَزْوِ. وَالثَّانِي: الْعَمَلُ الصَّالِحُ خُرُوجُهُمْ مَعَ الرَّسُولِ إِلَى سَائِرِ الْغَزَوَاتِ وَالسَّيِّءُ هُوَ تَخَلُّفُهُمْ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَانَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ إِقْدَامَهُمْ عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي صَدَرَتْ عَنْهُمْ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالسَّيِّءِ مَخْلُوطًا. فَمَا الْمَخْلُوطُ بِهِ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ الْخَلْطَ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا قَوْلُكَ خَلَطْتُهُ، فَإِنَّمَا يَحْسُنُ فِي الْمَوْضِعِ/ الَّذِي يَمْتَزِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَيَتَغَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ تِلْكَ الْمُخَالَطَةِ عَنْ صِفَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَقَوْلِكَ خَلَطْتُ الْمَاءَ بِاللَّبَنِ. وَاللَّائِقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الْجَمْعُ الْمُطْلَقُ، لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالْعَمَلَ السَّيِّءَ إِذَا حَصَلَا بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا كَانَ عَلَى مَذْهَبِنَا، فَإِنَّ عِنْدَنَا الْقَوْلَ بِالْإِحْبَاطِ بَاطِلٌ، وَالطَّاعَةَ تَبْقَى مُوجِبَةً لِلْمَدْحِ وَالثَّوَابِ، وَالْمَعْصِيَةَ تَبْقَى مُوجِبَةً لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى نَفْيِ الْقَوْلِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 132
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست