responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 121
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ الْوَعِيدَ فِي حَقِّ مَنْ يُوهِمُ الْعُذْرَ، مَعَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ، ذَكَرَ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ تَكْلِيفَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْغَزْوِ وَالْجِهَادِ عَنْهُمْ سَاقِطٌ، وَهُمْ أَقْسَامٌ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الصَّحِيحُ فِي بَدَنِهِ، الضَّعِيفُ مِثْلُ الشُّيُوخِ. وَمَنْ خُلِقَ فِي أَصْلِ الْفِطْرَةِ ضَعِيفًا نَحِيفًا، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُرَادُونَ بِالضُّعَفَاءِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِمُ الْمَرْضَى، والمعطوف مباين للمعطوف عليه، فما لَمْ يَحْمِلِ الضُّعَفَاءَ عَلَى الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ، لَمْ يَتَمَيَّزُوا عَنِ الْمَرْضَى.
وَأَمَّا الْمَرْضَى: فَيَدْخُلُ فِيهِمْ أَصْحَابُ الْعَمَى، وَالْعَرَجِ، وَالزَّمَانَةِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِمَرَضٍ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْمُحَارَبَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ الْأُهْبَةَ وَالزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ، لِأَنَّ حُضُورَهُ فِي الْغَزْوِ إِنَّمَا يَنْفَعُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ. إِمَّا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ مَالِ إِنْسَانٍ آخَرَ يُعِينُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ، صَارَ كَلًّا وَوَبَالًا عَلَى الْمُجَاهِدِينَ وَيَمْنَعُهُمْ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالْمَقْصُودِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ قَالَ: لَا حَرَجَ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الْخُرُوجُ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَوْ خَرَجَ لِيُعِينَ الْمُجَاهِدِينَ بِمِقْدَارِ الْقُدْرَةِ. إِمَّا بِحِفْظِ مَتَاعِهِمْ أَوْ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَجْعَلَ نَفْسَهُ كَلًّا وَوَبَالًا عَلَيْهِمْ، كَانَ ذَلِكَ طَاعَةً مَقْبُولَةً. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ فِي جَوَازِ هَذَا التَّأْخِيرِ شَرْطًا مُعَيَّنًا وَهُوَ قَوْلُهُ: إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ إِذَا أَقَامُوا فِي الْبَلَدِ احْتَرَزُوا عَنْ إِلْقَاءِ الْأَرَاجِيفِ، وَعَنْ إِثَارَةِ الْفِتَنِ، وَسَعَوْا فِي إِيصَالِ الْخَيْرِ إِلَى الْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ سَافَرُوا، إِمَّا بِأَنْ يَقُومُوا بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِ بُيُوتِهِمْ، وَإِمَّا بِأَنْ يَسْعَوْا فِي إِيصَالِ الْأَخْبَارِ السَّارَّةِ مِنْ بُيُوتِهِمْ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ جُمْلَةَ هَذِهِ الْأُمُورِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْإِعَانَةِ عَلَى الْجِهَادِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ هُوَ أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ الْوُجُوهِ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّفْظَ مَقْصُورٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَالْمُحْسِنُ هُوَ الْآتِي بِالْإِحْسَانِ، وَرَأْسُ أَبْوَابِ الْإِحْسَانِ وَرَئِيسُهَا، هُوَ قَوْلُ:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَاعْتَقَدَهَا، كَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ يَقْتَضِي نَفْيَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي حَالِ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَعَدَمُ تَوَجُّهِ مُطَالَبَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي نَفْسِهِ حُرْمَةُ الْقَتْلِ، إِلَّا لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَالْأَصْلُ فِي مَالِهِ حُرْمَةُ الْأَخْذِ، إِلَّا لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَأَنْ لَا يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ التَّكَالِيفِ، إِلَّا لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، فَتَصِيرَ هَذِهِ الْآيَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَصْلًا/ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرِيعَةِ، فِي تَقْرِيرِ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَإِنْ وَرَدَ نَصٌّ خَاصٌّ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ حُكْمٍ خَاصٍّ، فِي وَاقِعَةٍ خَاصَّةٍ، قَضَيْنَا بِذَلِكَ النَّصِّ الْخَاصِّ تَقْدِيمًا لِلْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَإِلَّا فَهَذَا النَّصُّ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 121
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست