responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 102
وَالشُّهَدَاءُ وَأَئِمَّةُ الْهُدَى، وَسَائِرُ الْجَنَّاتِ حَوْلَهَا وَفِيهَا عَيْنُ التَّسْنِيمِ وَفِيهَا قُصُورُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالذَّهَبِ فَتَهُبُّ رِيحٌ طَيِّبَةٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَتُدْخِلُ عَلَيْهِمْ كُثْبَانَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا يُقَالُ لَهُ عَدْنٌ، حَوْلَهُ الْبُرُوجُ وَلَهُ خَمْسَةُ آلَافِ بَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ خَمْسَةُ آلَافِ حَرَّةٍ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ، وَأَقُولُ حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ فِي جَنَّاتِ عدن قولان: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فِي الْجَنَّةِ، وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ الَّتِي نَقَلْنَاهَا تُقَوِّي هَذَا الْقَوْلَ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَعَدْنٌ عَلَمٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ [مَرْيَمَ: 61] .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْجَنَّةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْعَدْنُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِكَ عَدَنَ فُلَانٌ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ، يَعْدِنُ عُدُونًا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: تَرَكْتُ إِبِلَ بَنِي فُلَانٍ عَوَادِنَ بِمَكَانِ كَذَا، وَهُوَ أَنْ تَلْزَمَ الْإِبِلُ الْمَكَانَ فَتَأْلَفَهُ وَلَا تَبْرَحَهُ، وَمِنْهُ الْمَعْدِنُ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي تُخْلَقُ الْجَوَاهِرُ فِيهِ وَمَنْبَعُهَا مِنْهُ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الِاشْتِقَاقِ قَالُوا: الْجَنَّاتُ كُلُّهَا جَنَّاتُ عَدْنٍ.
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: مِنَ الْمَوَاعِيدِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ وَالْمَعْنَى أَنَّ رِضْوَانَ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ مَا سَلَفَ ذِكْرُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنَّ السَّعَادَاتِ الرُّوحَانِيَّةَ أَشْرَفُ وَأَعْلَى مِنَ السَّعَادَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الِابْتِهَاجُ بِكَوْنِ مَوْلَاهُ رَاضِيًا عَنْهُ، وَأَنْ يَتَوَسَّلَ بِذَلِكَ الرِّضَا إِلَى شَيْءٍ مِنَ اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ أَوْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ عِلْمُهُ بِكَوْنِهِ رَاضِيًا عَنْهُ يُوجِبُ الِابْتِهَاجَ وَالسَّعَادَةَ لِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى مَطْلُوبٍ آخَرَ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ مَا كَانَ وَسِيلَةً إِلَى الشَّيْءِ لَا يَكُونُ أَعْلَى حَالًا مِنْ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ، فَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ أَنْ يُتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى اللَّذَّاتِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الأكل والشرب لكان الابتهاج بالرضوان ابتهاجا بحصول الوسيلة. ولكان الابتهاج بتلك اللذات ابْتِهَاجًا بِالْمَقْصُودِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِابْتِهَاجَ بِالْوَسِيلَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ أَقَلَّ حَالًا مِنَ الِابْتِهَاجِ بِالْمَقْصُودِ. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رِضْوَانُ اللَّهِ أَقَلَّ حَالًا وَأَدْوَنَ مَرْتَبَةً مِنَ الْفَوْزِ بِالْجَنَّاتِ وَالْمَسَاكِنِ الطَّيِّبَةِ، لَكِنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى أَنَّ الْفَوْزَ بِالرِّضْوَانِ أَعْلَى وَأَعْظَمُ وَأَجَلُّ وَأَكْبَرُ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ السَّعَادَاتِ الرُّوحَانِيَّةَ أَكْمَلُ وَأَشْرَفُ مِنَ السَّعَادَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْحَقَّ وُجُوبُ الْإِقْرَارِ بِهِمَا مَعًا كَمَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. / وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ قَالَ: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ مَخْلُوقٌ مِنْ جَوْهَرَيْنِ، لَطِيفٌ عُلْوِيٌّ رُوحَانِيٌّ، وَكَثِيفٌ سُفْلِيٌّ جُسْمَانِيٌّ وَانْضَمَّ إِلَيْهِمَا حُصُولُ سَعَادَةٍ وَشَقَاوَةٍ، فَإِذَا حَصَلَتِ الْخَيْرَاتُ الْجُسْمَانِيَّةُ وَانْضَمَّ إِلَيْهَا حُصُولُ السَّعَادَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ كَانَتِ الرُّوحُ فَائِزَةً بِالسَّعَادَاتِ اللَّائِقَةِ بِهَا، وَالْجَسَدُ وَاصِلًا إِلَى السَّعَادَاتِ اللَّائِقَةِ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. الثَّانِي: أَنَّهُ تعالى بين في وصفه الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ تَشَبَّهُوا بِالْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ فِي التَّنَعُّمِ بِالدُّنْيَا وَطَيِّبَاتِهَا. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَصْفَ ثَوَابِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالَ: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، لَا مَا يَطْلُبُهُ الْمُنَافِقُونَ وَالْكُفَّارُ مِنَ التَّنَعُّمِ بِطَيِّبَاتِ الدُّنْيَا.
وَرُوِيَ أَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: «هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ أَمَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا»

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 102
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست