responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 524
/ وَقِيلَ قَرَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْمَوْسِمِ وَبَعَثَ عَلِيًّا خَلْفَهُ لِتَبْلِيغِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ، حَتَّى يُصَلِّيَ عَلِيٌّ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَيَكُونَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى التَّنْبِيهِ عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ، واللَّه أَعْلَمُ.
وَقَرَّرَ الْجَاحِظُ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بكر أميراً على الحاج وَوَلَّاهُ الْمَوْسِمَ وَبَعَثَ عَلِيًّا يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةَ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْإِمَامَ وَعَلِيٌّ الْمُؤْتَمَّ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبَ وَعَلِيٌّ الْمُسْتَمِعَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّافِعَ بِالْمَوْسِمِ وَالسَّابِقَ لَهُمْ وَالْآمِرَ لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَأَمَّا
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يُبَلِّغُ عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنِّي»
فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَكِنَّهُ عَامَلَ الْعَرَبَ بِمَا يَتَعَارَفُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَكَانَ السَّيِّدُ الْكَبِيرُ مِنْهُمْ إِذَا عَقَدَ لِقَوْمٍ حِلْفًا أَوْ عَاهَدَ عَهْدًا لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الْعَهْدَ وَالْعَقْدَ إِلَّا هُوَ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَقَارِبِهِ الْقَرِيبِينَ مِنْهُ كَأَخٍ أَوْ عَمٍّ. فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْقَوْلَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَفِيهِ أَبْحَاثٌ: الْأَوَّلُ: أَصْلُ السِّيَاحَةِ الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ وَالِاتِّسَاعُ فِي السَّيْرِ وَالْبُعْدُ عَنِ الْمُدُنِ وَمَوْضِعِ الْعِمَارَةِ مَعَ الْإِقْلَالِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. يُقَالُ لِلصَّائِمِ سَائِحٌ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ السَّائِحَ لِتَرْكِهِ الْمَطْعَمَ وَالْمَشْرَبَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ يَعْنِي اذْهَبُوا فِيهَا كَيْفَ شِئْتُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ، بَلِ الْمَقْصُودُ الْإِبَاحَةُ وَالْإِطْلَاقُ وَالْإِعْلَامُ بِحُصُولِ الْأَمَانِ وَإِزَالَةِ الْخَوْفِ، يَعْنِي أَنْتُمْ آمِنُونَ مِنَ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذَا تَأْجِيلٌ مِنَ اللَّه لِلْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ كَانَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَطَّهُ إِلَى الْأَرْبَعَةِ، وَمَنْ كَانَتْ مُدَّتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ رَفَعَهُ إِلَى الْأَرْبَعَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْإِعْلَامِ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَتَفَكَّرُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَيَحْتَاطُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ إِلَّا أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: إِمَّا الْإِسْلَامُ أَوْ قَبُولُ الْجِزْيَةِ أَوِ السَّيْفُ، فَيَصِيرَ ذَلِكَ حَامِلًا لَهُمْ عَلَى قَبُولِ الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا. وَالثَّانِي: لِئَلَّا يُنْسَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى نَكْثِ الْعَهْدِ، وَالثَّالِثُ: أَرَادَ اللَّه أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْجِهَادِ، فَعَمَّ الْكُلَّ بِالْبَرَاءَةِ وَأَجَّلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ لِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَتَخْوِيفِ الْكُفَّارِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَّا بِنَقْضِ الْعُهُودِ. وَالرَّابِعُ: أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يَحُجَّ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، فَأَمَرَ بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْبَرَاءَةِ لِئَلَّا يُشَاهِدَ الْعُرَاةَ.
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: قَوْلُهُ: فَسِيحُوا الْقَوْلُ فِيهِ مُضْمَرٌ وَالتَّقْدِيرُ: فَقُلْ لَهُمْ سِيحُوا أَوْ يَكُونُ هَذَا رُجُوعًا مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ كَقَوْلِهِ: وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هَذَا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً [الْإِنْسَانِ: 21، 22] .
الْبَحْثُ الرَّابِعُ: اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ بَرَاءَةَ نَزَلَتْ فِي شَوَّالٍ، / وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَقِيلَ هِيَ عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَصَفَرُ، وَرَبِيعٌ الْأَوَّلُ، وَعَشْرٌ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ حُرُمًا لِأَنَّهُ كَانَ يَحْرُمُ فِيهَا الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ، فَهَذِهِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ لَمَّا حُرِّمَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ فِيهَا كَانَتْ حُرُمًا، وَقِيلَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ حُرُمًا لِأَنَّ أَحَدَ أَقْسَامِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لِأَنَّ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ الْمُحَرَّمِ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. وَقِيلَ: ابْتِدَاءُ تِلْكَ الْمُدَّةِ كَانَ مِنْ عَشْرِ ذِي الْقِعْدَةِ إِلَى عَشْرٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِسَبَبِ النَّسِيءِ الَّذِي كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ صَارَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السموات والأرض» .

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 524
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست