responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 516
فَلِأَنَّهُمْ كَانُوا أَقْدَمُوا عَلَى مُحَارَبَةِ بَدْرٍ مِنْ غَيْرِ آلَةٍ وَلَا أُهْبَةٍ وَلَا عُدَّةٍ مَعَ الْأَعْدَاءِ الْمَوْصُوفِينَ بِالْكَثْرَةِ وَالشِّدَّةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَزَالُوا أَطْمَاعَهُمْ عَنِ الْحَيَاةِ وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه.
وَأَمَّا الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: فَهِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَوَّلَ النَّاسِ إِقْدَامًا عَلَى هَذِهِ الأفعال والتزاماً لهذه الأحوال، ولهذه السابقة أَثَرٌ عَظِيمٌ فِي تَقْوِيَةِ الدِّينِ. قَالَ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [الْحَدِيدِ: 10] وَقَالَ: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التَّوْبَةِ: 100] وَإِنَّمَا كَانَ السَّبْقُ مُوجِبًا لِلْفَضِيلَةِ، لِأَنَّ إِقْدَامَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ يُوجِبُ اقْتِدَاءَ غَيْرِهِمْ بِهِمْ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْقُوَّةِ أَوِ الْكَمَالِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [الْمَائِدَةِ: 32] وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَمِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنَّ دَوَاعِيَهُمْ تَقْوَى بِمَا يَرَوْنَ مِنْ أَمْثَالِهِمْ فِي أَحْوَالِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، كَمَا أَنَّ الْمِحَنَ تَخِفُّ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِالْمُشَارَكَةِ فِيهَا، فَثَبَتَ أَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعَةِ لِلْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْفَضِيلَةِ وَنِهَايَةِ الْمَنْقَبَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الِاعْتِرَافَ بِكَوْنِهِمْ رُؤَسَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَسَادَةً لَهُمْ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمُ الْأَنْصَارُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا هَاجَرَ إِلَيْهِمْ مَعَ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَوْلَا أَنَّهُمْ آوَوْا وَنَصَرُوا وَبَذَلُوا النَّفْسَ وَالْمَالَ فِي خِدْمَةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِ أَصْحَابِهِ لَمَا تَمَّ الْمَقْصُودُ الْبَتَّةَ، / وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَالُ الْمُهَاجِرِينَ أَعْلَى فِي الْفَضِيلَةِ مِنْ حَالِ الْأَنْصَارِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُمْ هُمُ السَّابِقُونَ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ رَئِيسُ الْفَضَائِلِ وَعُنْوَانُ الْمَنَاقِبِ: وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الْعَنَاءَ وَالْمَشَقَّةَ دَهْرًا دَهِيرًا، وَزَمَانًا مَدِيدًا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَصَبَرُوا عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْحَالُ مَا حَصَلَتْ لِلْأَنْصَارِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الْمَضَارَّ النَّاشِئَةَ مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ وَالْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ، وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِلْأَنْصَارِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ فَتْحَ الْبَابِ فِي قَبُولِ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ مِنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا حَصَلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارُ اقْتَدَوْا بِهِمْ وَتَشَبَّهُوا بِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَدِي أَقَلَّ مَرْتَبَةً مِنَ الْمُقْتَدَى بِهِ، فَجُمْلَةُ هَذِهِ الْأَحْوَالِ تُوجِبُ تَقْدِيمَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي الْفَضْلِ وَالدَّرَجَةِ وَالْمَنْقَبَةِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْنَمَا ذَكَرَ اللَّه هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ قَدَّمَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الْأَنْصَارِ وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَرَدَ ذِكْرُهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْوِلَايَةِ، فَنَقَلَ الْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرِينَ كُلِّهِمْ، أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْوِلَايَةُ فِي الْمِيرَاثِ. وَقَالُوا جَعَلَ اللَّه تَعَالَى سَبَبَ الْإِرْثِ الْهِجْرَةَ وَالنُّصْرَةَ دُونَ الْقَرَابَةِ. وَكَانَ الْقَرِيبُ الَّذِي آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ لَمْ يَرِثْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يُهَاجِرْ وَلَمْ يَنْصُرْ، وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْوِلَايَةِ غَيْرُ مُشْعِرٍ بِهَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُشْعِرٌ بِالْقُرْبِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. وَيُقَالُ: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَلَا يُفِيدُ الْإِرْثَ وَقَالَ تَعَالَى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يُونُسَ: 62] وَلَا يُفِيدُ الْإِرْثَ بَلِ الْوِلَايَةُ تُفِيدُ الْقُرْبَ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْإِرْثِ، وَهُوَ كَوْنُ بَعْضِهِمْ مُعَظِّمًا لِلْبَعْضِ مُهْتَمًّا بِشَأْنِهِ مَخْصُوصًا بِمُعَاوَنَتِهِ وَمُنَاصَرَتِهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَأَنْ يَكُونَ حُبُّ كُلِّ وَاحِدٍ لِغَيْرِهِ جَارِيًا مَجْرَى حَبْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 516
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست