responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 494
ضَمِيرٌ للَّه تَعَالَى، وَالْمَلَائِكَةُ مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَيَضْرِبُونَ خَبَرٌ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: مَعْنَى يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا يَقْبِضُونَ أَرْوَاحَهُمْ عَلَى اسْتِيفَائِهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ شَيْءٌ مُغَايِرٌ لِهَذَا الْجَسَدِ، وَأَنَّهُ هُوَ الرُّوحُ فَقَطْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى الذَّاتَ الْكَافِرَةَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّاتَ الْكَافِرَةَ هِيَ الَّتِي اسْتُوفِيَتْ/ مِنْ هَذَا الْجَسَدِ، وَهَذَا بُرْهَانٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ شَيْءٌ مُغَايِرٌ لِهَذَا الْجَسَدِ، وَقَوْلُهُ: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا أَقْبَلُوا بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرَبُوا وُجُوهَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَإِذَا وَلَّوْا ضَرَبُوا أَدْبَارَهُمْ، فَلَا جَرَمَ قَابَلَهُمُ اللَّه بِمِثْلِهِ فِي وَقْتِ نَزْعِ الرُّوحِ، وَأَقُولُ فِيهِ مَعْنًى آخَرُ أَلْطَفُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ رُوحَ الْكَافِرِ إِذَا خَرَجَ مِنْ جَسَدِهِ فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ عَالَمِ الدُّنْيَا مُقْبِلٌ عَلَى الْآخِرَةِ، وَهُوَ لِكُفْرِهِ لَا يُشَاهِدُ فِي عَالَمِ الْآخِرَةِ إِلَّا الظُّلُمَاتِ، وَهُوَ لِشِدَّةِ حُبِّهِ لِلْجُسْمَانِيَّاتِ، وَمُفَارَقَتِهِ لَهَا لَا يَنَالُ مِنْ مُبَاعَدَتِهِ عَنْهَا إِلَّا الْآلَامَ والحسرات، فسبب مُفَارَقَتِهِ لِعَالَمِ الدُّنْيَا تَحْصُلُ لَهُ الْآلَامُ بَعْدَ الْآلَامِ وَالْحَسَرَاتِ، وَبِسَبَبِ إِقْبَالِهِ عَلَى الْآخِرَةِ مَعَ عَدَمِ النُّورِ وَالْمَعْرِفَةِ، يَنْتَقِلُ مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى ظُلُمَاتٍ، فَهَاتَانِ الْجِهَتَانِ هُمَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ وَفِيهِ إِضْمَارٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وَنَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا [الْبَقَرَةِ: 127] أَيْ وَيَقُولَانِ رَبَّنَا، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا [السَّجْدَةِ:
12] أَيْ يَقُولُونَ رَبَّنَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ: وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ إِنَّمَا صَحَّ لِأَنَّهُ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ مَقَامِعُ، وَكُلَّمَا ضَرَبُوا بِهَا الْتَهَبَتِ النَّارُ فِي الْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ، فَذَاكَ قَوْلُهُ: وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا تَقُولُهُ الْمَلَائِكَةُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ. وَأَقُولُ: أَمَّا الْعَذَابُ الْجُسْمَانِيُّ فَحَقٌّ وَصِدْقٌ.
وَأَمَّا الرُّوحَانِيُّ فَحَقٌّ أَيْضًا لِدَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْجَاهِلَ إِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا حَصَلَ لَهُ الْحُزْنُ الشَّدِيدُ بِسَبَبِ مُفَارَقَةِ الدُّنْيَا الْمَحْبُوبَةِ، وَالْخَوْفُ الشَّدِيدُ بِسَبَبِ تَرَاكُمِ الظُّلُمَاتِ عَلَيْهِ فِي عَالَمِ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ. وَالْخَوْفُ وَالْحُزْنُ كِلَاهُمَا يُوجِبَانِ الْحُرْقَةَ الرُّوحَانِيَّةَ، وَالنَّارَ الرُّوحَانِيَّةَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ قِيلَ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ذَلِكَ نَصْبًا، وَالتَّقْدِيرُ: فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: ذلِكَ هَذَا أَيْ هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي هُوَ عَذَابُ الْحَرِيقِ، حَصَلَ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ، وذكرنا في قوله: الم ذلِكَ الْكِتابُ أَنَّ مَعْنَاهُ هَذَا الْكِتَابُ وَهَذَا الْمَعْنَى جَائِزٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَقْتَضِي أَنَّ فَاعِلَ هَذَا الْفِعْلِ هُوَ الْيَدُ، وَذَلِكَ/ مُمْتَنِعٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ إِنَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، وَمَحَلُّ الْكُفْرِ هُوَ الْقَلْبُ لَا الْيَدُ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ، فَلَا يَتَوَجَّهُ التَّكْلِيفُ عَلَيْهَا، فَلَا يُمْكِنُ إِيصَالُ الْعَذَابِ إِلَيْهَا، فوجب حمل اليد هاهنا على القدرة، وسبب هذا المجازان الْيَدَ آلَةُ الْعَمَلِ وَالْقُدْرَةُ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْعَمَلِ، فَحَسُنَ جَعْلُ الْيَدِ كِنَايَةً عَنِ الْقُدْرَةِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 494
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست