responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 482
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَإِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ، لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ، بَلْ ذَكَرَ أَنَّ الَّذِينَ بَقُوا عَلَى الْكُفْرِ يَكُونُونَ كَذَلِكَ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَشْرُهُمْ إِلَّا إِلَى جَهَنَّمَ، لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْخَبَرِ يُفِيدُ الْحَصْرَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَفِيدُونَ مِنْ بَذْلِهِمْ أَمْوَالَهُمْ فِي تِلْكَ الْإِنْفَاقَاتِ إِلَّا الْحَسْرَةَ وَالْخَيْبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابَ الشَّدِيدَ فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الزَّجْرَ الْعَظِيمَ عَنْ ذَلِكَ الْإِنْفَاقِ، ثُمَّ قَالَ: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَفِيهِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لِيَمِيزَ اللَّه الْفَرِيقَ الْخَبِيثَ مِنَ الْكُفَّارِ مِنَ الْفَرِيقِ الطَّيِّبِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَجْعَلَ الْفَرِيقَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ وَالضَّمِّ حَتَّى يَتَرَاكَمُوا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الْجِنِّ: 19] يَعْنِي لِفَرْطِ ازْدِحَامِهِمْ فَقَوْلُهُ: أُولئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْفَرِيقِ الْخَبِيثِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْمُرَادُ بِالْخَبِيثِ نَفَقَةُ الْكَافِرِ عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ، وَبِالطَّيِّبِ نَفَقَةُ الْمُؤْمِنِ فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ، كَإِنْفَاقِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ فِي نُصْرَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَيَضُمُّ تَعَالَى تِلْكَ الْأُمُورَ الْخَبِيثَةَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ فَيُلْقِيهَا فِي جَهَنَّمَ وَيُعَذِّبُهُمْ بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ [التَّوْبَةِ: 35] وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يُحْشَرُونَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللَّه الْفَرِيقَ الْخَبِيثَ مِنَ الْفَرِيقِ الطَّيِّبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ قَالَ: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وَهُوَ إشارة إلى الذين كفروا.

[سورة الأنفال (8) : آية 38]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ صَلَاتَهُمْ فِي عِبَادَاتِهِمُ الْبَدَنِيَّةِ، وَعِبَادَاتِهِمُ الْمَالِيَّةِ، أَرْشَدَهُمْ إِلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ وَقَالَ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ قُلْ لِأَجْلِهِمْ هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى خَاطِبْهُمْ بِهِ لَقِيلَ: إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَرْ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ هَكَذَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَعْنَى: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ إِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْكُفْرِ وَعَدَاوَةِ الرَّسُولِ، وَدَخَلُوا الْإِسْلَامَ وَالْتَزَمُوا شَرَائِعَهُ غَفَرَ اللَّه لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ لِلرَّسُولِ وَإِنْ عَادُوا إِلَيْهِ وَأَصَرُّوا عَلَيْهِ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ. وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ مِنْهُمُ الَّذِينَ حَاقَ بِهِمْ مَكْرُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. الثَّانِي: فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ قَدْ مَرُّوا فَلْيَتَوَقَّعُوا مِثْلَ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا. الثَّالِثُ:
أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا انْتَهَوْا عَنِ الْكُفْرِ وَأَسْلَمُوا غُفِرَ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وَهِيَ قَوْلُهُ: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [الْمُجَادَلَةِ: 21] وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا [الصَّافَّاتِ:
171] وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: 105] .

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 482
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست