responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 478
ليجسوك، وَقِيلَ لِيُثْبِتُوكَ فِي بَيْتٍ فَحَذَفَ الْمَحَلَّ لِوُضُوحِ مَعْنَاهُ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ لِيُثْبِتُوكَ بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ لِيُبَيِّتُوكَ مِنَ الْبَيَاتِ وَقَوْلُهُ: أَوْ يَقْتُلُوكَ وَهُوَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّه أَوْ يُخْرِجُوكَ أَيْ مِنْ مَكَّةَ، وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ قَالَ: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلُهُ: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [آلِ عِمْرَانَ: 54] تَفْسِيرُ الْمَكْرِ فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمُ احْتَالُوا عَلَى إِبْطَالِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ واللَّه تَعَالَى نَصَرَهُ وَقَوَّاهُ، فَضَاعَ فِعْلُهُمْ وَظَهَرَ صُنْعُ اللَّه تَعَالَى. قَالَ الْقَاضِي: الْقِصَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ مُوَافِقَةٌ لِلْقُرْآنِ إِلَّا مَا فِيهَا مِنْ حَدِيثِ إِبْلِيسَ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَتْ صُورَتُهُ مُوَافِقَةً لِصُورَةِ الْإِنْسِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ التَّصْوِيرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ فِعْلِ اللَّه أَوْ مِنْ فِعْلِ إِبْلِيسَ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِيَفْتِنَ الْكُفَّارَ فِي الْمَكْرِ، وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَقْدِرَ إِبْلِيسُ عَلَى تَغْيِيرِ صُورَةِ نَفْسِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا النِّزَاعَ عَجِيبٌ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبْعُدْ مِنَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُقْدِرَ إِبْلِيسَ عَلَى أَنْوَاعِ الْوَسَاوِسِ فَكَيْفَ يَبْعُدُ مِنْهُ أَنْ يُقْدِرَهُ عَلَى تَغْيِيرِ صُورَةِ نَفْسِهِ؟
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ وَلَا خَيْرَ فِي مَكْرِهِمْ.
قُلْنَا: فِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَقْوَى الْمَاكِرِينَ فَوَضَعَ خَيْرُ مَوْضِعَ أَقْوَى وَأَشَدَّ، لِيُنَبِّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَكْرٍ فَهُوَ يَبْطُلُ فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِ اللَّه تَعَالَى. وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ لَوْ قُدِّرَ فِي مَكْرِهِمْ مَا يَكُونُ خَيْرًا وَحَسَنًا. وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: خَيْرُ الْماكِرِينَ لَيْسَ هُوَ التَّفْضِيلَ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ خَيْرٌ كَمَا يقال: الثريد خير من اللَّه تعالى.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 31 الى 34]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى مَكْرَهُمْ فِي ذَاتِ مُحَمَّدٍ. حَكَى مَكْرَهُمْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ، رُوِيَ أن النضر بن الحرث خَرَجَ إِلَى الْحَيْرَةِ تَاجِرًا، وَاشْتَرَى أَحَادِيثَ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ، وَكَانَ يَقْعُدُ مَعَ الْمُسْتَهْزِئِينَ وَالْمُقْتَسِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ، فَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ، وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِثْلُ مَا يَذْكُرُهُ مُحَمَّدٌ مِنْ قِصَصِ الْأَوَّلِينَ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:
قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ وهاهنا مَوْضِعُ بَحْثٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي كَوْنِ الْقُرْآنِ مُعْجِزًا عَنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَدَّى الْعَرَبَ/ بِالْمُعَارَضَةِ، فَلَمْ يَأْتُوا بِهَا، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَتَوْا بِتِلْكَ الْمُعَارَضَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّلِيلِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 478
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست