responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 467
مِنْ قَوْلِهِ: وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى رَمَى قُلُوبَهُمْ بِذَلِكَ الرُّعْبِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ، وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ.
فَإِنْ قَالُوا: الدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ تَمْنَعُ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مَخْلُوقٌ للَّه تَعَالَى. فَنَقُولُ: هَيْهَاتَ فَإِنَّ الدَّلَائِلَ الْعَقْلِيَّةَ فِي جَانِبِنَا وَالْبَرَاهِينَ النَّقْلِيَّةَ قَائِمَةٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا، فَلَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَعْدِلُوا عَنِ الظَّاهِرِ إِلَى الْمَجَازِ. واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قُرِئَ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ... وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى بِتَخْفِيفِ وَلَكِنْ وَرَفْعِ مَا بَعْدَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ قَبْضَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ، وَرَمَى بِهَا وُجُوهَ الْقَوْمِ وَقَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ، فَلَمْ يَبْقَ مُشْرِكٌ إِلَّا وَدَخَلَ فِي عَيْنَيْهِ وَمَنْخَرَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، فَكَانَتْ تِلْكَ الرَّمْيَةُ سَبَبًا لِلْهَزِيمَةِ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَالثَّانِي:
أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ قَوْسًا وَهُوَ عَلَى بَابِ خَيْبَرَ. فَرَمَى سَهْمًا. فَأَقْبَلَ السَّهْمُ حَتَّى قَتَلَ ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَنَزَلَتْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ أُحُدٍ فِي قَتْلِ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، وَذَلِكَ
أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمٍ رَمِيمٍ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ يُحْيِي هَذَا وَهُوَ رَمِيمٌ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُحْيِيهِ اللَّه ثُمَّ يُمِيتُكَ ثُمَّ يُحْيِيكَ ثُمَّ يُدْخِلُكَ النَّارَ فَأُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا افْتُدِيَ. قَالَ لِرَسُولِ اللَّه إِنَّ عِنْدِي فَرَسًا أَعْتَلِفُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَرْقًا مِنْ ذُرَةٍ، كَيْ أَقْتُلَكَ عَلَيْهَا. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إن شاء اللَّه» فلما كان يوم أُحُدٌ أَقْبَلَ أُبَيٌّ يَرْكُضُ عَلَى ذَلِكَ الْفَرَسِ حَتَّى دَنَا مِنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَاعْتَرَضَ لَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَقْتُلُوهُ. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «اسْتَأْخِرُوا» وَرَمَاهُ بِحَرْبَةٍ فَكَسَرَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ، فَحُمِلَ فَمَاتَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ
فَفِي ذَلِكَ نَزَلَتِ الْآيَةُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَإِلَّا لَدَخَلَ فِي أَثْنَاءِ الْقِصَّةِ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَهُ سَائِرُ الْوَقَائِعِ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً فَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى / وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْبَلَاءِ الْإِنْعَامُ، أَيْ يُنْعِمُ عَلَيْهِمْ نِعْمَةً عَظِيمَةً بِالنُّصْرَةِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْلَا أَنَّ المفسرين اتفقوا على حمل الابتلاء هاهنا عَلَى النِّعْمَةِ، وَإِلَّا لَكَانَ يَحْتَمِلُ الْمِحْنَةَ بِالتَّكْلِيفِ فِيمَا بَعْدَهُ مِنَ الْجِهَادِ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ الَّذِي فَعَلَهُ تَعَالَى يَوْمَ بَدْرٍ، كَانَ السَّبَبَ فِي حُصُولِ تَكْلِيفٍ شَاقٍّ عَلَيْهِمْ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْغَزَوَاتِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ هَذَا بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَيْ سَمِيعٌ لِكَلَامِكُمْ عَلِيمٌ بِأَحْوَالِ قُلُوبِكُمْ، وَهَذَا يَجْرِي مَجْرَى التَّحْذِيرِ وَالتَّرْهِيبِ، لِئَلَّا يَغْتَرَّ الْعَبْدُ بِظَوَاهِرِ الْأُمُورِ، وَيَعْلَمَ أَنَّ الْخَالِقَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى كل ما في الضمائر والقلوب.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 18 الى 19]
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 467
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست