responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 452
تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْأُمُورَ الْخَمْسَةَ. قَالَ: فِي الْمَوْصُوفِينَ بِهَا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ تِلْكَ الْخِصَالِ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»
وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ. قَالُوا: لِأَنَّ الْآيَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ، وَالْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ لَا يَقْبَلَانِ التَّفَاوُتَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ عِبَارَةً عَنْ مَجْمُوعِ الْإِقْرَارِ وَالِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ، حَتَّى أَنَّ بِسَبَبِ دُخُولِ التَّفَاوُتِ فِي الْعَمَلِ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ فِي الْإِيمَانِ، / وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ ضَعِيفٌ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّفَاوُتَ بِالدَّوَامِ وَعَدَمِ الدَّوَامِ حَاصِلٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْإِقْرَارِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي فِي حُصُولِ التَّفَاوُتِ فِي الْإِيمَانِ، واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ظَاهِرُهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ نَفْسَ تِلْكَ الْآيَاتِ لَا تُوجِبُ الزِّيَادَةَ، بَلْ إِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَالْمُوجِبُ هُوَ سَمَاعُ تِلْكَ الْآيَاتِ أَوْ مَعْرِفَةُ تِلْكَ الْآيَاتِ تُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصْدِيقِ واللَّه أَعْلَمُ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: لِلْمُؤْمِنِينَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَاعْلَمْ أَنَّ صِفَةَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا وَاثِقِينَ بِالصِّدْقِ فِي وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَأَنْ يَقُولُوا صَدَقَ اللَّه وَرَسُولُهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُهُمْ كَقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الْأَحْزَابِ: 12] ثُمَّ نَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ لَا يَتَوَكَّلُونَ إِلَّا عَلَى رَبِّهِمْ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ وَدَرَجَةٌ شَرِيفَةٌ، وَهِيَ: أَنَّ الْإِنْسَانَ بِحَيْثُ يَصِيرُ لَا يَبْقَى لَهُ اعْتِمَادٌ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ إِلَّا عَلَى اللَّه.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى أَحْسَنِ جِهَاتِ التَّرْتِيبِ، فَإِنَّ الْمَرْتَبَةَ الْأُولَى هِيَ: الْوَجَلُ مِنْ عِقَابِ اللَّه.
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ الِانْقِيَادُ لِمَقَامَاتِ التَّكَالِيفِ للَّه.
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: هِيَ الِانْقِطَاعُ بِالْكُلِّيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّه، وَالِاعْتِمَادُ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى فَضْلِ اللَّه، بَلِ الْغِنَى بِالْكُلِّيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّه تَعَالَى.
وَالصِّفَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرَاتِبَ الثَّلَاثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَحْوَالٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْقُلُوبِ وَالْبَوَاطِنِ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهَا إِلَى رِعَايَةِ أَحْوَالِ الظَّاهِرِ وَرَأْسُ الطَّاعَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الظَّاهِرِ، وَرَئِيسُهَا بَذْلُ النَّفْسِ فِي الصَّلَاةِ، وَبَذْلُ الْمَالِ فِي مرضاة اللَّه، ويدخل فيه الزكوات والصدقات والصلاة، وَالْإِنْفَاقُ فِي الْجِهَادِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّهُ تَعَالَى مَدَحَ مَنْ يُنْفِقُ مَا رَزَقَهُ اللَّه، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِنْفَاقُ مِنَ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ رِزْقًا، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ هَذَا الْكَلَامِ مِرَارًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْخَمْسَ: أَثْبَتَ لِلْمَوْصُوفِينَ بِهَا أُمُورًا ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ:
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وفيه مسائل:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: حَقًّا بِمَاذَا يَتَّصِلُ. فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: بِقَوْلِهِ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ أَيْ هُمُ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 452
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست