responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 440
عَلَى مَا وَرَاءَ هَذِهِ الصُّورَةِ، سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّفْظَ يُفِيدُ الْعُمُومَ إِلَّا أَنَّا نَقُولُ بِمُوجَبِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه: يَسْكُتُ الْإِمَامُ، وَحِينَئِذٍ يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ فِي حَالِ سَكْتَةِ الْإِمَامِ كَمَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ، فَاغْتَنِمِ الْقِرَاءَةَ فِي أَيِّهِمَا شِئْتَ، وَهَذَا السُّؤَالُ أَوْرَدَهُ الْوَاحِدِيُّ فِي «الْبَسِيطِ» .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: سُكُوتُ الْإِمَامِ إِمَّا أَنْ نَقُولَ: إِنَّهُ مِنَ الْوَاجِبَاتِ أَوْ لَيْسَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ أَنْ لَا يَسْكُتَ. فَبِتَقْدِيرِ: أَنْ لَا يَسْكُتَ يَلْزَمُ أَنْ تَحْصُلَ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ مَعَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ الِاسْتِمَاعِ، وَإِلَى تَرْكِ السُّكُوتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَذَلِكَ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ، وَأَيْضًا فَهَذَا السُّكُوتُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَمِقْدَارٌ مَخْصُوصٌ وَالسَّكْتَةُ لِلْمَأْمُومِينَ مُخْتَلِفَةٌ بِالثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ، فَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ الْمَأْمُومُ مِنْ إِتْمَامِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي مِقْدَارِ سُكُوتِ الْإِمَامِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ، وَأَيْضًا فَالْإِمَامُ إِنَّمَا يَبْقَى سَاكِتًا لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ إِتْمَامِ الْقِرَاءَةِ، وَحِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ الْإِمَامُ مَأْمُومًا، وَالْمَأْمُومُ إِمَامًا، لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي هَذَا السُّكُوتِ يَصِيرُ كَالتَّابِعِ لِلْمَأْمُومِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْوَاحِدِيُّ غَيْرُ جَائِزٍ، وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ سُؤَالًا ثَانِيًا عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ. فَقَالَ: إِنَّ الْإِنْصَاتَ هُوَ تَرْكُ الْجَهْرِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي تَارِكَ الْجَهْرِ مُنْصِتًا، وَإِنْ كَانَ يَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ إِذَا لَمْ يُسْمِعْ أَحَدًا.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ أَوَّلًا بِالِاسْتِمَاعِ وَاشْتِغَالُهُ بِالْقِرَاءَةِ يَمْنَعُهُ مِنَ الِاسْتِمَاعِ، لِأَنَّ السَّمَاعَ غَيْرٌ، وَالِاسْتِمَاعَ غَيْرٌ، فَالِاسْتِمَاعُ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِذَلِكَ الْكَلَامِ الْمَسْمُوعِ عَلَى الْوَجْهِ الْكَامِلِ، قَالَ تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى [طه: 13] وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَظَهَرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْقِرَاءَةِ مِمَّا يَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِمَاعِ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِمَاعِ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنِ الْقِرَاءَةِ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنْ نَقُولَ: الْفُقَهَاءُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ/ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهَبْ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا يُوجِبُ سُكُوتَ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، إِلَّا أَنَّ
قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»
وَقَوْلَهُ: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»
أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ، وَثَبَتَ أَنَّ تَخْصِيصَ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَازِمٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى تَخْصِيصِ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَهَذَا السُّؤَالُ حَسَنٌ.
وَالسُّؤَالُ الرَّابِعُ: أَنْ نَقُولَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةِ، عَمَلًا بِمُقْتَضَى هَذَا النَّصِّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَذَا أَيْضًا سُؤَالٌ حَسَنٌ، وَفِي الْآيَةِ قَوْلٌ خَامِسٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ فِي ابْتِدَاءِ التَّبْلِيغِ وَلَيْسَ خِطَابًا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ مُنَاسِبٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى حَكَى قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَقْوَامًا مِنَ الْكُفَّارِ يَطْلُبُونَ آيَاتٍ مَخْصُوصَةً وَمُعْجِزَاتٍ مَخْصُوصَةً، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَأْتِيهِمْ بِهَا قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا، فَأَمَرَ اللَّه رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ جَوَابًا عَنْ كَلَامِهِمْ إِنَّهُ لَيْسَ لِي أَنْ أَقْتَرِحَ عَلَى رَبِّي، وَلَيْسَ لِي إِلَّا أَنْ أَنْتَظِرَ الْوَحْيَ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَرَكَ الْإِتْيَانَ بِتِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا فِي صِحَّةِ النُّبُوَّةِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةٌ تَامَّةٌ كَافِيَةٌ فِي إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَعَبَّرَ اللَّه تَعَالَى عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: هَذَا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 203] فَلَوْ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا الْمُرَادُ مِنْهُ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَ هَذِهِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 440
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست