responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 431
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ فِي غَيْرِ مَنْ يَعْقِلُ كَيْفَ يَجُوزُ؟ فَنَقُولُ: لَمَّا اعْتَقَدَ عَابِدُوهَا أَنَّهَا تَعْقِلُ وَتُمَيِّزُ فَوَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ بِنَاءً عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَهُ وَيَتَصَوَّرُونَهُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء: 33] وَقَوْلُهُ: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يُوسُفَ: 4] وقوله: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ [النَّمْلِ: 18] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُوجِدٍ وَلَا خَالِقٍ لِأَفْعَالِهِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ تَعَالَى طَعَنَ فِي إِلَهِيَّةِ الْأَجْسَامِ بِسَبَبِ أَنَّهَا لَا تَخْلُقُ شَيْئًا وَهَذَا الطَّعْنُ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ قُلْنَا إِنَّ بِتَقْدِيرِ أَنَّهَا كَانَتْ خَالِقَةً لِشَيْءٍ لَمْ يَتَوَجَّهِ الطَّعْنُ فِي إِلَهِيَّتِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ خَالِقًا كَانَ إِلَهًا، فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ خَالِقًا لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ كَانَ إِلَهًا وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا، عَلِمْنَا أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ خَالِقٍ لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً يُرِيدُ أَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَنْصُرُ مَنْ أَطَاعَهَا وَلَا تَنْتَصِرُ مِمَّنْ عَصَاهَا. وَالنَّصْرُ: الْمَعُونَةُ عَلَى الْعَدُوِّ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَعْبُودَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى إِيصَالِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَهَذِهِ الْأَصْنَامُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ عِبَادَتُهَا؟
ثُمَّ قَالَ: وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ أَيْ وَلَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَكْرُوهًا فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ كَسْرَهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى دَفْعِهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ [إلى آخر الآية] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَثْبَتَ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِهَذِهِ الْأَصْنَامِ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، بَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْمَعْبُودَ الَّذِي يَعْبُدُهُ الْمُشْرِكُونَ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ كَمَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، فكذا لا يصح فيه إذا دعى إِلَى الْخَيْرِ الِاتِّبَاعُ. وَلَا يُفَصِّلُ حَالَ مَنْ يُخَاطِبُهُ مِمَّنْ يَسْكُتُ عَنْهُ، ثُمَّ قَوَّى هَذَا الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلُهُ: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [الْبَقَرَةِ: 6] وَذَكَرْنَا مَا فِيهِ مِنَ الْمَبَاحِثِ فِي تِلْكَ الْآيَةِ إِلَّا أَنَّ الْفَرْقَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ عَطْفُ الْفِعْلِ عَلَى الفعل، وهاهنا عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الْفِعْلِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ:
أَدَعَوْتُمُوهُمْ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ: وَقَوْلَهُ: أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ عَطْفَ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِفَائِدَةٍ وَحِكْمَةٍ، وَتِلْكَ الْفَائِدَةُ هِيَ أَنَّ صِيغَةَ الْفِعْلِ مُشْعِرَةٌ بِالتَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَصِيغَةُ الِاسْمِ مُشْعِرَةٌ بِالدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ وَالِاسْتِمْرَارِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا إِذَا وَقَعُوا فِي مُهِمٍّ وَفِي مُعْضِلَةٍ تَضَرَّعُوا إِلَى تِلْكَ الْأَصْنَامِ، وَإِذَا لَمْ تَحْدُثْ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ بَقُوا سَاكِتِينَ صَامِتِينَ، فَقِيلَ لَهُمْ لَا فَرْقَ بين إحدائكم دُعَاءَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَمِرُّوا عَلَى صَمْتِكُمْ وَسُكُوتِكُمْ، فَهَذَا هُوَ الْفَائِدَةُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ، ثُمَّ أَكَّدَ اللَّه بَيَانَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ، فَقَالَ:
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ وَفِيهِ سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ يَحْسُنُ وَصْفُهَا بِأَنَّهَا عِبَادٌ مَعَ أَنَّهَا جَمَادَاتٌ؟ وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا/ ادَّعَوْا أَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ، وَجَبَ أَنْ يَعْتَقِدُوا فِيهَا كَوْنَهَا عَاقِلَةً فَاهِمَةً، فَلَا جَرَمَ وَرَدَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عَلَى وَفْقِ مُعْتَقَدَاتِهِمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ: فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِبْنَ لَكُمْ وَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ وَلَمْ يَقُلِ الَّتِي.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 431
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست