responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 424
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: لِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وُجُوهٌ: قَالَ الحسن:
ثقل مجيئها على السموات والأرض، لأجل أن عند مجيئها شققت السموات وَتَكَوَّرَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَانْتَثَرَتِ النُّجُومُ وَثَقُلَتْ عَلَى الْأَرْضِ لِأَجْلِ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ، وَتَبْطُلُ الْجِبَالُ وَالْبِحَارُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ: إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ ثَقِيلٌ جِدًّا عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لِأَنَّ فِيهِ فَنَاءَهُمْ وَهَلَاكَهُمْ وَذَلِكَ ثَقِيلٌ عَلَى الْقُلُوبِ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ عَظِيمُ الثِّقَلِ عَلَى الْقُلُوبِ بِسَبَبِ أَنَّ الْخَلْقَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ بَعْدَهَا إِلَى الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالسُّؤَالِ وَالْخَوْفُ مِنَ اللَّه فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ شَدِيدٌ. وَقَالَ السدي: ثَقُلَتْ أي خفيت في السموات وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ مَتَى يَكُونُ حُدُوثُهَا وَوُقُوعُهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ ثَقُلَ تحصيل العلم بوقتها المعين على أهل السموات وَالْأَرْضِ، وَكَمَا يُقَالُ فِي الْمَحْمُولِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ حَمْلُهُ أَنَّهُ قَدْ ثَقُلَ عَلَى حَامِلِهِ، فَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْعِلْمِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ قَالَ: لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً وَهَذَا أَيْضًا تَأْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَتَقْرِيرٌ لِكَوْنِهَا بِحَيْثُ لَا تَجِيءُ إِلَّا بَغْتَةً فَجْأَةً عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنَ الْخَلْقِ.
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ السَّاعَةَ تَفْجَأُ النَّاسَ، فَالرَّجُلُ يُصْلِحُ مَوْضِعَهُ، وَالرَّجُلُ يَسْقِي مَاشِيَتَهُ، وَالرَّجُلُ يَقُومُ بِسِلْعَتِهِ في سوقه. والرجل يخفض ميزانه ويرفعه
«و
روى الْحَسَنُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَرْفَعُ اللُّقْمَةَ إِلَى فِيهِ حَتَّى تَحُولَ السَّاعَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ» .
ثُمَّ قال تعالى: يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْحَفِيِّ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: الْحَفِيُّ الْبَارُّ اللَّطِيفُ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ حَفَى بِي حَفَاوَةً وَتَحَفَّى بِي تَحَفِّيًا، وَالْحَفَى الْكَلَامُ وَاللِّقَاءُ الْحَسَنُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا أَيْ بَارًّا لَطِيفًا يُجِيبُ دُعَائِي إِذَا دَعَوْتُهُ، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ بَارٌّ بِهِمْ لَطِيفُ الْعِشْرَةِ مَعَهُمْ/ وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ مَا رُوِيَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ قَرَابَةً، فَاذْكُرْ لَنَا متى الساعة. فقال تعالى: يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها أَيْ كَأَنَّكَ صَدِيقٌ لَهُمْ بَارٌّ بِمَعْنَى أَنَّكَ لَا تَكُونُ حَفِيًّا بِهِمْ مَا دَامُوا عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: حَفِيٌّ عَنْها أَيْ كَثِيرُ السُّؤَالِ عَنْهَا شَدِيدُ الطَّلَبِ لِمَعْرِفَتِهَا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ حَفِيٌّ فَعِيلٌ مِنَ الْإِحْفَاءِ وَهُوَ الْإِلْحَاحُ وَالْإِلْحَافُ فِي السُّؤَالِ، وَمَنْ أَكْثَرَ السُّؤَالَ وَالْبَحْثَ عَنِ الشَّيْءِ عَلِمَهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ تَحَفَّى فِي الْمَسْأَلَةِ، أَيِ اسْتَقْصَى. فَقَوْلُهُ: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها أَيْ كَأَنَّكَ أَكْثَرْتَ السُّؤَالَ عَنْهَا وَبَالَغْتَ فِي طَلَبِ عِلْمِهَا. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : هَذَا التَّرْتِيبُ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ وَمِنْهُ إِحْفَاءُ الشَّارِبِ، وَإِحْفَاءُ الْبَقْلِ اسْتِئْصَالُهُ، وَأَحْفَى فِي الْمَسْأَلَةِ إِذَا أَلْحَفَ، وَحَفِيَ بِفُلَانٍ وَتَحَفَّى بِهِ بَالَغَ فِي الْبِرِّ بِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ مُتَقَارِبَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ: عَنْها وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالتَّقْدِيرُ: يَسْأَلُونَكَ عَنْهَا كَأَنَّكَ حَفِيٌّ بِهَا ثُمَّ حَذَفَ قَوْلَهُ: «بِهَا» لِطُولِ الْكَلَامِ وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لَا يَحْصُلُ الِالْتِبَاسُ بِسَبَبِ حَذْفِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ بِهِمْ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَفِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّى تَارَةً بِالْبَاءِ وَأُخْرَى بِكَلِمَةِ عَنْ وَيُؤَكَّدُ هَذَا الْوَجْهُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (كَأَنَّكَ حفي بها) .

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 424
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست