responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 419
مُسْتَقْبَلٌ، لِأَنَّ السِّينَ فِي قَوْلِهِ: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ يُفِيدُ الِاسْتِقْبَالَ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: أَنْ يَسْتَدْرِجَهُمْ إِلَى كُفْرٍ آخَرَ لِجَوَازِ أَنْ يُمِيتَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُوقِعَهُمْ فِي كُفْرٍ آخَرَ، فَالْمُرَادُ إِذَنْ: مَا قُلْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُعَاقِبُ الْكَافِرَ بِأَنْ يَخْلُقَ فِيهِ كُفْرًا آخَرَ، وَالْكُفْرُ هُوَ فِعْلُهُ، وَإِنَّمَا يُعَاقِبُهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأُمْلِي لَهُمْ فَمَعْنَاهُ: أَنِّي أُبْقِيهِمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَا أُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَفُوتُونَنِي وَلَا يُعْجِزُونَنِي، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ لِأَنَّ كَيْدَهُ هُوَ عَذَابُهُ، وَسَمَّاهُ كَيْدًا لِنُزُولِهِ بِالْعِبَادِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مَعْنَاهُ: مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ كُلَّمَا زَادُوا تَمَادِيًا فِي الذَّنْبِ وَالْكُفْرِ، زَادَهُمُ اللَّه نِعْمَةً وَخَيْرًا فِي الدُّنْيَا، فَيَصِيرُ فَوْزُهُمْ بِلَذَّاتِ الدُّنْيَا سَبَبًا لِتَمَادِيهِمْ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِ اللَّه وَبُعْدًا عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى طَاعَةِ اللَّه، هَذِهِ حَالَةٌ نُشَاهِدُهَا فِي بَعْضِ النَّاسِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا أَمْرًا مَحْسُوسًا مُشَاهَدًا فَكَيْفَ يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ. الثَّانِي: هَبْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الِاسْتِدْرَاجُ إِلَى الْعِقَابِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا أَيْضًا يُبْطِلُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ تَعَالَى مَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ إِلَّا الْخَيْرَ وَالصَّلَاحَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَلِمَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْرَاجَ، وَهَذَا الْإِمْهَالَ مِمَّا قَدْ يَزِيدُ بِهِ عُتُوًّا وَكُفْرًا وَفَسَادًا وَاسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ الشَّدِيدِ، فَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ لَأَمَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُسْتَوْجِبًا لِتِلْكَ/ الزِّيَادَاتِ مِنَ الْعُقُوبَةِ بَلْ لَكَانَ يَجِبُ فِي حِكْمَتِهِ وَرِعَايَتِهِ لِلْمَصَالِحِ أَنْ لَا يَخْلُقَهُ ابْتِدَاءً صَوْنًا لَهُ عَنْ هَذَا الْعِقَابِ، أَوْ أَنْ يَخْلُقَهُ لَكِنَّهُ يُمِيتُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ فِي حَدِّ التَّكْلِيفِ، أَوْ أَنْ لَا يَخْلُقَهُ إِلَّا فِي الْجَنَّةِ، صَوْنًا لَهُ عَنِ الْوُقُوعِ فِي آفَاتِ الدُّنْيَا وَفِي عِقَابِ الْآخِرَةِ، فَلَمَّا خَلَقَهُ فِي الدُّنْيَا وَأَلْقَاهُ فِي وَرْطَةِ التَّكْلِيفِ. وَأَطَالَ عُمُرَهُ وَمَكَّنَهُ مِنَ الْمَعَاصِي مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إِلَّا مَزِيدَ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَاسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ، عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا خَلَقَهُ إِلَّا لِلْعَذَابِ وَإِلَّا لِلنَّارِ، كَمَا شَرَحَهُ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [الأعراف:
179] وَأَنَا شَدِيدُ التَّعَجُّبِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ الْقُرْآنَ كَالْبَحْرِ الَّذِي لَا سَاحِلَ لَهُ مملوءا من هذه الآيات والدلائل العقلية القاهرة الْقَاطِعَةِ مُطَابِقَةً لَهَا، ثُمَّ إِنَّهُمْ يَكْتَفُونَ فِي تَأْوِيلَاتِ هَذِهِ الْآيَاتِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الضَّعِيفَةِ وَالْكَلِمَاتِ الْوَاهِيَةِ، إِلَّا أَنَّ عِلْمِي بِأَنَّ مَا أَرَادَهُ اللَّه كَائِنٌ يُزِيلُ هَذَا التَّعَجُّبَ. واللَّه أَعْلَمُ.

[سورة الأعراف (7) : آية 184]
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي تَهْدِيدِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَاتِهِ، الْغَافِلِينَ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي دَلَائِلِهِ وَبَيِّنَاتِهِ، عَادَ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ شُبَهَاتِهِمْ. فَقَالَ: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ وَالتَّفَكُّرُ طَلَبُ الْمَعْنَى بِالْقَلْبِ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِكْرَةَ الْقَلْبِ هُوَ الْمُسَمَّى بِالنَّظَرِ، وَالتَّعَقُّلِ فِي الشَّيْءِ وَالتَّأَمُّلِ فِيهِ وَالتَّدَبُّرِ لَهُ، وَكَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ بِالْبَصَرِ حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ مِنَ الِانْكِشَافِ وَالْجَلَاءِ، وَلَهَا مُقَدِّمَةٌ وَهِيَ تَقْلِيبُ الْحَدَقَةِ إِلَى جِهَةِ الْمَرْئِيِّ: طَلَبًا لِتَحْصِيلِ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ بِالْبَصَرِ، فَكَذَلِكَ الرُّؤْيَةُ بِالْبَصِيرَةِ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ، حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ فِي الِانْكِشَافِ وَالْجَلَاءِ، وَلَهَا مُقَدِّمَةٌ وَهِيَ تَقْلِيبُ حَدَقَةِ الْعَقْلِ إِلَى الْجَوَانِبِ، طَلَبًا لِذَلِكَ الِانْكِشَافِ وَالتَّجَلِّي، وَذَلِكَ هُوَ الْمُسَمَّى بِنَظَرِ الْعَقْلِ وَفِكْرَتِهِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا أَمْرٌ بِالْفِكْرِ وَالتَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ وَالتَّرَوِّي لِطَلَبِ معرفة الأشياء كما هي عرفاناً حقيقياً تَامًّا، وَفِي اللَّفْظِ مَحْذُوفٌ. وَالتَّقْدِيرُ: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فَيَعْلَمُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ، وَالْجِنَّةُ حَالَةٌ مِنَ الْجُنُونِ، كَالْجِلْسَةِ وَالرِّكْبَةِ وَدُخُولُ «مِنْ» فِي قَوْلِهِ: مِنْ جِنَّةٍ يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْجُنُونِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 419
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست