responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 409
الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
[الذَّارِيَاتِ: 56] وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْآيَاتِ كَثِيرَةٌ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وُقُوعُ التَّنَاقُضِ فِي الْقُرْآنِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَلَى ظَاهِرِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِها وَهُوَ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ لَهُمْ، وَلَوْ كانوا مخلوقين للنار، ولما كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْإِيمَانِ الْبَتَّةَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَقْبُحُ ذَمُّهُمْ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ خَلَقَهُمْ لِلنَّارِ لَمَا كَانَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ نِعْمَةٌ أَصْلًا، لِأَنَّ مَنَافِعَ الدُّنْيَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الْعَذَابِ الدَّائِمِ، كَالْقَطْرَةِ فِي الْبَحْرِ، وَكَانَ كَمَنْ دَفَعَ إِلَى إِنْسَانٍ حَلْوًا مَسْمُومًا فَإِنَّهُ لَا يكون منعماً عليه، فكذا هاهنا. وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ مَمْلُوءًا مِنْ كَثْرَةِ نِعْمَةِ اللَّه عَلَى كُلِّ الْخَلْقِ، عَلِمْنَا أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا ذَكَرْتُمْ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ، وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، وَالتَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ يُبْطِلُ هَذَا الْمَذْهَبَ الَّذِي يَنْصُرُونَهُ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: لَوْ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَهُمْ لِلنَّارِ، لَوَجَبَ أَنْ يَخْلُقَهُمُ ابْتِدَاءً فِي النَّارِ، لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يَسْتَدْرِجَهُمْ إِلَى النَّارِ بِخَلْقِ الْكُفْرِ فِيهِمْ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ جَهَنَّمَ اسْمٌ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ/ الْمُعَيَّنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الْمُعَيَّنُ مُرَادًا مِنْهُ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَا أَرَادَ اللَّه تَعَالَى بِخَلْقِهِمْ مِنْهُمْ مَحْذُوفٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِكَيْ يَكْفُرُوا فَيَدْخُلُوا جَهَنَّمَ، فَصَارَتِ الْآيَةُ عَلَى قَوْلِهِمْ مَتْرُوكَةَ الظَّاهِرِ، فَيَجِبُ بِنَاؤُهَا عَلَى قَوْلِهِ: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا يَصِحُّ دُونَ حَذْفٍ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا ذَرَأَهُمْ لِكَيْ يَكْفُرُوا فَيَصِيرُوا إِلَى جَهَنَّمَ، عَادَ الْأَمْرُ فِي تَأْوِيلِهِمْ إِلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّامَ لِلْعَاقِبَةِ، لَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَهَا لِلْعَاقِبَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ لِلنَّارِ، وَنَحْنُ قَدْ قُلْنَاهَا عَلَى عَاقِبَةٍ حَاصِلَةٍ مَعَ اسْتِحْقَاقِ النَّارِ، فَكَانَ قَوْلُنَا أَوْلَى، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ فِيهِ إِلَى التَّأْوِيلِ، وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ عَاقِبَةُ كَثِيرٍ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، هِيَ الدُّخُولُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، جَائِزٌ ذِكْرُ هَذِهِ اللَّامِ بِمَعْنَى الْعَاقِبَةِ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ: أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ [الْأَنْعَامِ: 105] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ تَعَالَى مَا صَرَّفَهَا لِيَقُولُوا ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، حَسُنَ وُرُودُ هَذَا اللَّفْظِ، وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى: رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ [يُونُسَ: 88] وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَصِ: 8] وَهُمْ مَا الْتَقَطُوهُ لِهَذَا الْغَرَضِ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ ذَلِكَ، حَسُنَ هَذَا اللَّفْظُ، وَأَمَّا الشِّعْرُ فَأَبْيَاتٌ قَالَ:
وَلِلْمَوْتِ تَغْدُوا الْوَالِدَاتُ سِخَالَهَا ... كَمَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ تُبْنَى الْمَسَاكِنُ
وَقَالَ:
أَمْوَالُنَا لِذَوِي الْمِيرَاثِ نَجْمَعُهَا ... وَدُورُنَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ نَبْنِيهَا
وَقَالَ:

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 409
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست