responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 400
فَإِنْ قَالُوا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ تَعَالَى خلقه كامل العقل والفهم والقدرة عِنْدَ الْمِيثَاقِ ثُمَّ أَزَالَ عَقْلَهُ وَفَهْمَهُ وَقُدْرَتَهُ؟ ثُمَّ إِنَّهُ خَلَقَهُ مَرَّةً أُخْرَى فِي رَحِمِ الْأُمِّ وَأَخْرَجَهُ إِلَى هَذِهِ الْحَيَاةِ.
قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ خَلَقَهُ مِنَ النُّطْفَةِ خَلْقًا عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَلْقًا عَلَى سَبِيلِ الْإِعَادَةِ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ خَلْقَهُ مِنَ النُّطْفَةِ هُوَ الْخَلْقُ الْمُبْتَدَأُ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ بَاطِلٌ.
الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: هِيَ أَنَّ تِلْكَ الذَّرَّاتِ إِمَّا أَنْ يُقَالَ هِيَ عَيْنُ هَؤُلَاءِ النَّاسِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَالْقَوْلُ الثَّانِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، بَقِيَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. فَنَقُولُ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ بَقُوا فُهَمَاءَ عُقَلَاءَ قَادِرِينَ حَالَ مَا كَانُوا نُطْفَةً وَعَلَقَةً وَمُضْغَةً أَوْ مَا بَقُوا كَذَلِكَ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ. وَالثَّانِي: يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ الْإِنْسَانُ حَصَلَ لَهُ الْحَيَاةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَوَّلُهَا وَقْتَ الْمِيثَاقِ، وَثَانِيهَا فِي الدُّنْيَا، وَثَالِثُهَا فِي الْقَبْرِ، وَرَابِعُهَا فِي الْقِيَامَةِ. وَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْمَوْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. مَوْتٌ بَعْدَ الْحَيَاةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ، وَمَوْتٌ فِي الدُّنْيَا، وَمَوْتٌ فِي الْقَبْرِ، وَهَذَا الْعَدَدُ مُخَالِفٌ لِلْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ [غَافِرٍ: 11] .
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنين: 12] فَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ بِهَذَا الذَّرِّ صَحِيحًا لَكَانَ ذَلِكَ الذَّرُّ هُوَ الْإِنْسَانُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُكَلَّفُ الْمُخَاطَبُ الْمُثَابُ الْمُعَاقَبُ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ.
لِأَنَّ ذَلِكَ الذَّرَّ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنَ النُّطْفَةِ، وَالْعَلَقَةِ، وَالْمُضْغَةِ، وَنَصُّ الْكِتَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَخْلُوقٌ مِنَ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ وَقَوْلُهُ: قُتِلَ الْإِنْسانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ [عَبَسَ: 17- 19] فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَيَانِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ أَصْحَابِ النَّظَرِ وَأَرْبَابِ الْمَعْقُولَاتِ: إِنَّهُ تَعَالَى أَخْرَجَ الذُّرِّيَّةَ وَهُمُ الْأَوْلَادُ مِنْ أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَذَلِكَ الْإِخْرَاجُ أَنَّهُمْ كَانُوا نُطْفَةً فَأَخْرَجَهَا اللَّه تَعَالَى فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ، وَجَعَلَهَا عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بَشَرًا سَوِيًّا، وَخَلْقًا كَامِلًا ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا رَكَّبَ فِيهِمْ مِنْ دَلَائِلِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَجَائِبِ خَلْقِهِ، وَغَرَائِبِ صُنْعِهِ. فَبِالْإِشْهَادِ صَارُوا كَأَنَّهُمْ قَالُوا بَلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ مِنْهَا قوله تَعَالَى: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فُصِّلَتْ: 11] وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: 40] وَقَوْلُ الْعَرَبِ:
قَالَ الْجِدَارُ لِلْوَتِدِ لِمَ تَشُقُّنِي ... قَالَ سَلْ مَنْ يَدُقُّنِي
فَإِنَّ الَّذِي وَرَايِي ... مَا خَلَّانِي وَرَايِي
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي
فَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْمَجَازِ وَالِاسْتِعَارَةِ مَشْهُورٌ فِي الْكَلَامِ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي تَقْرِيرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لَا طَعْنَ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَصِحَّ هَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِصِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: إِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا الْمُخْتَارُ عِنْدَكُمْ فيه؟

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 400
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست