responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 388
عَشَرَ سِبْطًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى فَرَقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةٌ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ، فَمَيَّزَهُمْ وَفَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَحَاسَدُوا فَيَقَعَ فِيهِمُ الْهَرْجُ وَالْمَرْجُ. وَقَوْلُهُ:
وَقَطَّعْناهُمُ أَيْ صَيَّرْنَاهُمْ قِطَعًا أَيْ فِرَقًا وَمَيَّزْنَا بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَقُرِئَ وَقَطَّعْناهُمُ بالتخفيف وهاهنا سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مُمَيَّزُ مَا عَدَا الْعَشَرَةَ مُفْرَدٌ، فَمَا وَجْهُ مَجِيئِهِ مَجْمُوعًا، وَهَلَّا قِيلَ: اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا؟
وَالْجَوَابُ: الْمُرَادُ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قَبِيلَةً، وَكُلُّ قَبِيلَةٍ أَسْبَاطٌ، فَوَضَعَ أَسْبَاطًا مَوْضِعَ قَبِيلَةٍ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: قَالَ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً مَعَ أَنَّ السِّبْطَ مُذَكَّرٌ لَا مُؤَنَّثٌ.
الْجَوَابُ قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ بَعْدَهُ أُمَماً فَذَهَبَ التَّأْنِيثُ إِلَى الْأُمَمِ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ: اثْنَيْ عَشَرَ لِأَجْلِ أَنَّ السِّبْطَ مُذَكَّرٌ كَانَ جَائِزًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً أَسْباطاً فَقَوْلُهُ: أَسْباطاً نَعْتٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ الْفِرْقَةُ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:
لَيْسَ قَوْلُهُ: أَسْباطاً تَمْيِيزًا، وَلَكِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: أُمَماً قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : هُوَ بَدَلٌ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِمَعْنَى: وَقَطَّعْنَاهُمْ أُمَمًا لِأَنَّ كُلَّ سِبْطٍ كَانَتْ أُمَّةً عَظِيمَةً وَجَمَاعَةً كَثِيفَةَ الْعَدَدِ، وَكُلَّ وَاحِدَةٍ كَانَتْ تَؤُمُّ خِلَافَ مَا تَؤُمُّهُ الْأُخْرَى وَلَا تَكَادُ تَأْتَلِفُ.
وَقُرِئَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِكَسْرِ الشِّينِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مِنْ شرح أخوال بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ أَيْضًا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. قَالَ الْحَسَنُ: مَا كَانَ إِلَّا حَجَرًا اعْتَرَضَهُ وَإِلَّا عَصًا أَخَذَهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا رُبَّمَا احْتَاجُوا فِي التِّيهِ إِلَى مَاءٍ يَشْرَبُونَهُ، فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ الْحَجَرَ. وَكَانُوا يُرِيدُونَهُ مَعَ أَنْفُسِهِمْ فَيَأْخُذُوا مِنْهُ قَدْرَ الْحَاجَةِ، وَقَوْلُهُ: فَانْبَجَسَتْ قَالَ الْوَاحِدِيُّ:
فَانْبَجَسَ الْمَاءُ وَانْبِجَاسُهُ انْفِجَارُهُ. يُقَالُ: بَجَسَ الْمَاءُ يَبْجُسُ وَانْبَجَسَ وَتَبَجَّسَ إِذَا تَفَجَّرَ، هَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَالِانْبِجَاسُ وَالِانْفِجَارُ سَوَاءٌ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا تَنَاقُضَ بين الانبجاس المذكور هاهنا وَبَيْنَ الِانْفِجَارِ الْمَذْكُورِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: الِانْبِجَاسُ خُرُوجُ الْمَاءِ بِقِلَّةٍ، وَالِانْفِجَارُ خُرُوجُهُ بِكَثْرَةٍ، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ: أَنَّ الْمَاءَ ابْتَدَأَ بِالْخُرُوجِ قَلِيلًا، ثُمَّ صَارَ كَثِيرًا، وَهَذَا الْفَرْقُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ كَيْفَ كَانَ يَسْقِيهِمْ، ذَكَرَ ثَانِيًا أَنَّهُ ظَلَّلَ الْغَمَامَ عَلَيْهِمْ، وَثَالِثًا: أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَجْمُوعَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ اللَّه تَعَالَى، لِأَنَّهُ تَعَالَى سَهَّلَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَدَفَعَ عَنْهُمْ مَضَارَّ الشَّمْسِ.
ثُمَّ قَالَ: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَالْمُرَادُ قَصْرُ أَنْفُسِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَطْعُومِ وَتَرْكُ غَيْرِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما ظَلَمُونا وَفِيهِ حَذْفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إِنَّمَا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ لَوْ أَنَّهُمْ تَعَدَّوْا مَا أَمَرَهُمُ اللَّه بِهِ، وَذَلِكَ إِمَّا بِأَنْ تَقُولَ إِنَّهُمُ ادَّخَرُوا مَعَ أَنَّ اللَّه مَنَعَهُمْ مِنْهُ، أَوْ أَقْدَمُوا عَلَى الْأَكْلِ فِي وَقْتٍ مَنَعَهُمُ اللَّه عَنْهُ، أَوْ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا غَيْرَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ اللَّه مَنَعَهُمْ مِنْهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا ارْتَكَبَ الْمَحْظُورَ فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ،

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 388
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست