responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 380
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ مِنْ صِفَةِ مَنْ تُكْتَبُ لَهُ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ التَّقْوَى وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَالْإِيمَانَ بِالْآيَاتِ، ضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ صِفَتِهِ اتِّبَاعُ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَتَّبِعُوهُ بِاعْتِقَادِ نُبُوَّتِهِ مِنْ حَيْثُ وَجَدُوا صِفَتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِي شَرَائِعِهِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ إِلَى الْخَلْقِ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: وَالْإِنْجِيلِ إِنَّ الْمُرَادَ سَيَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا فِي الْإِنْجِيلِ، لِأَنَّ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَجِدُوهُ فِيهِ قَبْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّه الْإِنْجِيلَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ الْمُرَادُ مَنْ لَحِقَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيَّامَ الرَّسُولِ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ اللَّاحِقِينَ لَا يَكْتُبُ لَهُمْ رَحْمَةَ الْآخِرَةِ إِلَّا إِذَا اتَّبَعُوا الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَقْرَبُ، لِأَنَّ اتِّبَاعَهُ قَبْلَ أَنْ بُعِثَ وَوُجِدَ لَا يُمْكِنُ. فَكَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذِهِ الرَّحْمَةَ لَا يَفُوزُ بِهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَنِ اتَّقَى وَآتَى الزَّكَاةَ وَآمَنَ بِالدَّلَائِلِ فِي زَمَنِ مُوسَى، وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فِي أَيَّامِ الرَّسُولِ إِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ مُتَبِّعًا لِلنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ فِي شَرَائِعِهِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِصِفَاتٍ تِسْعٍ.
الصِّفَةُ الْأُولَى: كَوْنُهُ رَسُولًا، وَقَدِ اخْتَصَّ هَذَا اللَّفْظُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ بِمَنْ أَرْسَلَهُ اللَّه إِلَى الْخَلْقِ لِتَبْلِيغِ التَّكَالِيفِ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: كَوْنُهُ نَبِيًّا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ رَفِيعَ الْقَدْرِ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: كَوْنُهُ أُمِّيًّا. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْأُمِّيَّ الَّذِي هُوَ عَلَى صِفَةِ أُمَّةِ الْعَرَبِ.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ»
فَالْعَرَبُ أَكْثَرُهُمْ مَا كَانُوا يَكْتُبُونَ وَلَا يَقْرَءُونَ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ كَذَلِكَ، فَلِهَذَا السَّبَبِ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ أُمِّيًّا. قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ وَكَوْنُهُ أُمِّيًّا بِهَذَا التَّفْسِيرِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مُعْجِزَاتِهِ وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ كِتَابَ اللَّه تَعَالَى مَنْظُومًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلِ أَلْفَاظِهِ وَلَا تَغْيِيرِ كَلِمَاتِهِ وَالْخَطِيبُ مِنَ الْعَرَبِ إِذَا ارْتَجَلَ خُطْبَةً ثُمَّ أَعَادَهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُزِيدَ فِيهَا وَأَنْ يُنْقِصَ عَنْهَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ أَنَّهُ مَا كَانَ يَكْتُبُ وَمَا كَانَ يَقْرَأُ يَتْلُو كِتَابَ اللَّه مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا تَغْيِيرٍ. فَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الْأَعْلَى: 6] وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحْسِنُ الْخَطَّ وَالْقِرَاءَةَ لَصَارَ مُتَّهَمًا فِي أَنَّهُ رُبَّمَا طَالَعَ كُتُبَ الْأَوَّلِينَ فَحَصَّلَ هَذِهِ الْعُلُومَ مِنْ تِلْكَ الْمُطَالَعَةِ فَلَمَّا أَتَى بِهَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ وَلَا مُطَالَعَةٍ، كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَهَذَا هُوَ المراد من قوله: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [الْعَنْكَبُوتِ: 48] الثَّالِثُ: أَنَّ تَعَلُّمَ الْخَطِّ شَيْءٌ سَهْلٌ فَإِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ ذَكَاءً وَفِطْنَةً يَتَعَلَّمُونَ الْخَطَّ بِأَدْنَى سَعْيٍ، فَعَدَمُ تَعَلُّمِهِ يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانٍ عَظِيمٍ فِي الْفَهْمِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى آتَاهُ عُلُومَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ وَأَعْطَاهُ مِنَ الْعُلُومِ وَالْحَقَائِقِ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ، وَمَعَ تِلْكَ الْقُوَّةِ الْعَظِيمَةِ فِي الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ جَعَلَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّمِ الْخَطَّ الَّذِي يَسْهُلُ تَعَلُّمُهُ عَلَى أَقَلِّ الْخَلْقِ عَقْلًا وَفَهْمًا، فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 380
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست