responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 88
يَقُولُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَقَدْ رَفَعَ هَذَا الْجَوَازَ، فَثَبَتَ أَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ نَاسِخَةٌ لِبَعْضِ مَدْلُولَاتِ هَذِهِ الْآيَةِ. هَذَا مَا خَطَرَ بِبَالِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا النَّسْخِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ حَاصِلَ هَذَا النَّهْيِ رَاجِعٌ إِلَى النَّهْيِ عَنِ الشُّرْبِ الْمُوجِبِ لِلسُّكْرِ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ الضَّعِيفِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ نَسْخًا.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ سَكَارَى بِفَتْحِ السِّينِ وَ (سَكْرَى) عَلَى أَنْ يَكُونَ جَمْعًا نَحْوَ: هَلْكَى، وَجَوْعَى.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ قَوْلُهُ: وَلا جُنُباً عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَنْتُمْ سُكارى وَالْوَاوُ هاهنا لِلْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ حَالَ مَا تَكُونُونَ سُكَارَى، وَحَالَ مَا تَكُونُونَ جُنُبًا، وَالْجُنُبُ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ، الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، لِأَنَّهُ اسْمٌ جَرَى مَجْرَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْإِجْنَابُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَصْلَ الْجَنَابَةِ الْبُعْدُ، وَقِيلَ لِلَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ: جُنُبٌ، لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ وَالْمَسْجِدَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ. ثُمَّ قَالَ: إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْعُبُورَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ الْمُسَافِرُونَ، وَبَيَّنَّا كَيْفِيَّةَ ترجيح أحدهما على الآخر.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً.
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هاهنا أَصْنَافًا أَرْبَعَةً: الْمَرْضَى، وَالْمُسَافِرِينَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنَ الغائط، والذين لا مسوا النِّسَاءَ.
فَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ: يُلْجِئَانِ إِلَى التَّيَمُّمِ، وَهُمَا الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ.
وَالْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ: يُوجِبَانِ التَّطَهُّرَ بِالْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَبِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ:
أَمَّا السَّبَبُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْمَرَضُ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوِ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ لَمَاتَ، كَمَا فِي الْجُدَرِيِّ الشَّدِيدِ وَالْقُرُوحِ الْعَظِيمَةِ، وَثَانِيهَا: أَنْ لَا يَمُوتَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَكِنَّهُ يَجِدُ الْآلَامَ الْعَظِيمَةَ. وَثَالِثُهَا: أَنْ لَا يَخَافَ الْمَوْتَ وَالْآلَامَ الشَّدِيدَةَ. لَكِنَّهُ يَخَافُ بَقَاءَ شَيْنٍ أَوْ عَيْبٍ عَلَى الْبَدَنِ، فَالْفُقَهَاءُ جَوَّزُوا التَّيَمُّمَ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَمَا جَوَّزُوهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَزَعَمَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي الْكُلِّ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ شَرَطَ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِلْمَرِيضِ بِعَدَمِ وِجْدَانِ الْمَاءِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ:
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً وَإِذَا كَانَ هَذَا الشَّرْطُ/ مُعْتَبَرًا فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ، فَعِنْدَ فِقْدَانِ هَذَا الشَّرْطِ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَانَ يَقُولُ: لَوْ شَاءَ اللَّه لَابْتَلَاهُ بِأَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ. وَدَلِيلُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ تَعَالَى جَوَّزَ التَّيَمُّمَ لِلْمَرِيضِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ وُجُودِهِ، ثُمَّ قَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ على

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 88
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست