responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 55
قَالُوا: إِنَّكُمْ تُحِلُّونَ بِنْتَ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ، وَالْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، فَانْكِحُوا أَيْضًا بَنَاتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: قَوْلُهُ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ التَّوْبَةَ مِنَ الْكُلِّ، وَالطَّاعَةَ مِنَ الْكُلِّ. قَالَ أَصْحَابُنَا: هَذَا محالا لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ مِنَ الْفَاسِقِ أَنَّهُ لَا يَتُوبُ وَعِلْمُهُ بِأَنَّهُ لَا يَتُوبُ مَعَ تَوْبَتِهِ ضِدَّانِ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ مُمْتَنِعُ الزَّوَالِ، وَمَعَ وُجُوبِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ كَانَتْ إِرَادَةُ الضِّدِّ الْآخَرِ إِرَادَةً لِمَا عَلِمَ كَوْنَهُ مُحَالًا، وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَأَيْضًا إِذَا كَانَ هُوَ تَعَالَى يُرِيدُ التَّوْبَةَ مِنَ الْكُلِّ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا، ثُمَّ يَحْصُلُ مُرَادُ الشَّيْطَانِ لَا مُرَادُ الرَّحْمَنِ، فَحِينَئِذٍ نَفَاذُ الشَّيْطَانِ فِي مُلْكِ الرَّحْمَنِ أَتَمُّ مِنْ نَفَاذِ الرَّحْمَنِ فِي مُلْكِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ خِطَابٌ مَعَ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ حَصَلَتْ هذه التوبة لهم.
ثم قال:

[سورة النساء (4) : آية 28]
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي التَّخْفِيفِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ مِنْهُ إِبَاحَةُ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَمُقَاتِلٍ، وَالْبَاقُونَ قَالُوا: هَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَفِي جَمِيعِ مَا يَسَّرَهُ لَنَا وَسَهَّلَهُ عَلَيْنَا، إِحْسَانًا مِنْهُ إِلَيْنَا، وَلَمْ يُثْقِلِ التَّكْلِيفَ عَلَيْنَا كَمَا ثَقَّلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ [الْأَعْرَافِ: 157] وَقَوْلُهُ: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [الْبَقَرَةِ: 185] وَقَوْلُهُ:
وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الْحَجِّ: 78]
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «جِئْتُكُمْ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ» .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْقَاضِي: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ للَّه تَعَالَى، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْكَافِرُ يُخْلَقُ فِيهِ الْكُفْرُ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: لَا تَكْفُرْ، فَهَذَا أَعْظَمُ وُجُوهِ التَّثْقِيلِ، وَلَا يَخْلُقُ فِيهِ الْإِيمَانَ، وَلَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى خَلْقِ الْإِيمَانِ. ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: آمِنْ، وَهَذَا أَعْظَمُ وُجُوهِ التَّثْقِيلِ. قَالَ: وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ، لِأَنَّهُ أَعْظَمُ وُجُوهِ التَّثْقِيلِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْعِلْمِ وَالدَّاعِي، وَأَكْثَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لِضَعْفِ الْإِنْسَانِ خَفَّفَ تَكْلِيفَهُ وَلَمْ يُثْقِلْ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُحْمَلُ الضَّعْفُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا عَلَى ضَعْفِ الْخِلْقَةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى كَثْرَةِ الدَّوَاعِي إِلَى اتِّبَاعِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالْوَجْهِ فِي أَنْ يَضْعُفَ عَنِ احْتِمَالِ خِلَافِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَوْلَى، لِأَنَّ الضَّعْفَ فِي الْخِلْقَةِ وَالْقُوَّةِ لَوْ قَوَّى اللَّه دَاعِيَتَهُ إِلَى الطَّاعَةِ كَانَ فِي حُكْمِ الْقَوِيِّ وَالْقَوِيُّ فِي الْخِلْقَةِ وَالْآلَةِ إِذَا كَانَ ضَعِيفَ الدَّوَاعِي إِلَى الطَّاعَةِ صَارَ فِي حُكْمِ الضَّعِيفِ، فَالتَّأْثِيرُ فِي هَذَا الْبَابِ لِضَعْفِ الدَّاعِيَةِ وَقُوَّتِهَا، لَا لِضَعْفِ الْبَدَنِ وَقُوَّتِهِ، هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ الْقَاضِي، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ، وَلَكِنَّهُ يَهْدِمُ أَصْلَهُ، وَذَلِكَ لَمَّا سَلَّمَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي وُجُودِ الْفِعْلِ وَعَدَمِهِ، قُوَّةُ الدَّاعِيَةِ وَضَعْفُهَا فَلَوْ تَأَمَّلَ لَعَلِمَ أَنَّ قُوَّةَ الدَّاعِيَةِ وَضَعْفَهَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِدَاعِيَةٍ أُخْرَى مِنَ الْعَبْدِ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مِنَ اللَّه، فَذَاكَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَبَطَلَ الْقَوْلُ بِالِاعْتِزَالِ بِالْكُلِّيَّةِ واللَّه أَعْلَمُ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 55
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست