responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 45
وَذَكَرَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي قَوْلِهِ: فَرِيضَةً ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْأُجُورِ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ.
وَثَانِيهَا: أَنَّهَا وُضِعَتْ مَوْضِعَ إِيتَاءٍ، لِأَنَّ الْإِيتَاءَ مَفْرُوضٌ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ، أَيْ فرض ذلك فريضة.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الَّذِينَ حَمَلُوا الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى بَيَانِ حُكْمِ النِّكَاحِ قَالُوا: الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَهْرُ مُقَدَّرًا بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا حَرَجَ فِي أَنْ تَحُطَّ عَنْهُ شَيْئًا مِنَ الْمَهْرِ أَوْ تُبَرِّئَهُ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَعَلَى هَذَا: الْمُرَادُ مِنَ التَّرَاضِي الْحَطُّ مِنَ الْمَهْرِ أَوِ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النِّسَاءِ: 4] وَقَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ [الْبَقَرَةِ: 237] وَقَالَ الزَّجَّاجُ مَعْنَاهُ: لَا إِثْمَ عَلَيْكُمْ فِي أَنْ تَهَبَ الْمَرْأَةُ لِلزَّوْجِ مَهْرَهَا، أَوْ يَهَبَ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ تَمَامَ الْمَهْرِ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ حَمَلُوا الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى بَيَانِ الْمُتْعَةِ قَالُوا: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ إِذَا انْقَضَى أَجَلُ الْمُتْعَةِ لَمْ يَبْقَ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ سَبِيلٌ الْبَتَّةَ، فَإِنْ قَالَ لَهَا: زِيدِينِي فِي الْأَيَّامِ وَأَزِيدُكِ/ فِي الْأُجْرَةِ كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَتْ فَعَلَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَفْعَلْ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ أَيْ مِنْ بَعْدِ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا مِنَ الْأَجْرِ وَالْأَجَلِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: إِلْحَاقُ الزِّيَادَةِ فِي الصَّدَاقِ جَائِزٌ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ إِنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، أَمَّا إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَتِ الزِّيَادَةُ، وَكَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّه عَلَيْهِ: الزِّيَادَةُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، فَإِنْ أَقْبَضَهَا مَلَكَتْهُ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبِضْهَا بَطَلَتْ. احْتَجَّ أَبُو بَكْرٍ الرازي لأبي حنيفة بهذه الآية فقوله: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ يَتَنَاوَلُ مَا وَقَعَ التَّرَاضِي بِهِ فِي طَرَفَيِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَكَانَ هَذَا بِعُمُومِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إِلْحَاقِ الزِّيَادَةِ بِالصَّدَاقِ، قَالَ: بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ بِالزِّيَادَةِ أَخَصُّ مِنْهَا بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَهُ بِتَرَاضِيهِمَا، وَالْبَرَاءَةُ وَالْحَطُّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى رِضَا الزَّوْجِ، وَالزِّيَادَةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِقَبُولِهِ، فَإِذَا عُلِّقَ ذَلِكَ بِتَرَاضِيهِمَا جَمِيعًا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الزِّيَادَةُ.
وَالْجَوَابُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ؟ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ شَاءَتِ الْمَرْأَةُ أَبْرَأَتْهُ عَنِ النِّصْفِ، وَإِنْ شَاءَ الزَّوْجُ سَلَّمَ إِلَيْهَا كُلَّ الْمَهْرِ، وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ قَدْ زَادَهَا عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهَا، وَأَيْضًا عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا جُنَاحَ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ إِلَّا أَنَّهَا تَكُونُ هِبَةً. وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَوِ الْتَحَقَتْ بِالْأَصْلِ لَكَانَ إِمَّا مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، أَوْ بَعْدَ زَوَالِ الْعَقْدِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا انْعَقَدَ عَلَى الْقَدْرِ الْأَوَّلِ، فَلَوِ انْعَقَدَ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى الْقَدْرِ الثَّانِي، لَكَانَ ذَلِكَ تَكْوِينًا لِذَلِكَ الْعَقْدِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ عِنْدَ إِلْحَاقِ الزِّيَادَةِ لَا يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ، فَثَبَتَ فَسَادُ مَا قَالُوهُ واللَّه أَعْلَمُ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ التَّكَالِيفِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِحْلَالِ، بَيَّنَ أَنَّهُ عَلِيمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا خَافِيَةٌ أَصْلًا، وَحَكِيمٌ لَا يُشَرِّعُ الْأَحْكَامَ إِلَّا عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ لِأَوَامِرِهِ وَالِانْقِيَادَ لِأَحْكَامِهِ واللَّه أَعْلَمُ.

[سورة النساء (4) : آية 25]
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
النَّوْعُ السَّابِعُ: مِنَ التَّكَالِيفِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السورة قوله تعالى:

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 45
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست