responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 42
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً
[الْبَقَرَةِ: 234] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ كَلَامٌ حَسَنٌ مُقَرَّرٌ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا، ذُكِرَ هَذَا الْكَلَامُ فِي مَجْمَعِ الصَّحَابَةِ وَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَالْحَالُ هاهنا لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ بِحُرْمَةِ الْمُتْعَةِ فَسَكَتُوا، أَوْ كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَلَكِنَّهُمْ سَكَتُوا عَلَى سَبِيلِ الْمُدَاهَنَةِ، أَوْ مَا عَرَفُوا إِبَاحَتَهَا وَلَا حُرْمَتَهَا. فَسَكَتُوا لِكَوْنِهِمْ مُتَوَقِّفِينَ فِي ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَالثَّانِي يُوجِبُ تَكْفِيرَ عُمَرَ، وَتَكْفِيرَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِإِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ مَحْظُورَةٌ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ لَهَا فَهُوَ كَافِرٌ باللَّه، وَمَنْ صَدَّقَهُ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ مُخْطِئًا كَافِرًا، كَانَ كَافِرًا أَيْضًا. وَهَذَا يَقْتَضِي تَكْفِيرَ الْأُمَّةِ وَهُوَ عَلَى ضِدِّ قَوْلِهِ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آلِ عِمْرَانَ: 110] .
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا عَالِمِينَ بِكَوْنِ الْمُتْعَةِ مُبَاحَةً أَوْ مَحْظُورَةً فَلِهَذَا سَكَتُوا، فَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمُتْعَةَ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُبَاحَةً تَكُونُ كَالنِّكَاحِ، وَاحْتِيَاجُ النَّاسِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَالِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامٌّ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَمِثْلُ هَذَا يُمْنَعُ أَنْ يَبْقَى مَخْفِيًّا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْتَهِرَ الْعِلْمُ بِهِ، فَكَمَا أَنَّ الْكُلَّ كَانُوا عَارِفِينَ بِأَنَّ النِّكَاحَ مُبَاحٌ، وَأَنَّ إِبَاحَتَهُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِي الْمُتْعَةِ كَذَلِكَ، وَلَمَّا بَطَلَ هَذَانِ الْقِسْمَانِ ثَبَتَ أَنَّ الصَّحَابَةَ إِنَّمَا سَكَتُوا عَنِ الْإِنْكَارِ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّ الْمُتْعَةَ صَارَتْ مَنْسُوخَةً فِي الْإِسْلَامِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ يَبْطُلُ بِمَا أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَا أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ إِلَّا رَجَمْتُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّجْمَ غَيْرُ جَائِزٍ، مَعَ أَنَّ الصَّحَابَةَ مَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْكُتُونَ عَنِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْبَاطِلِ.
قُلْنَا: لَعَلَّهُ كَانَ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ وَالزَّجْرِ وَالسِّيَاسَةِ، وَمِثْلُ هَذِهِ السِّيَاسَاتِ جَائِزَةٌ لِلْإِمَامِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ، أَلَا تَرَى
أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «مَنْ مَنَعَ مِنَّا الزَّكَاةَ فَإِنَّا آخِذُوهَا مِنْهُ وَشَطْرَ مَالِهِ»
ثُمَّ إِنَّ أَخْذَ شَطْرِ الْمَالِ مِنْ مَانِعِ الزَّكَاةِ غَيْرُ جَائِزٍ، لَكِنَّهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزجر، فكذا هاهنا واللَّه أَعْلَمُ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ مُحَرَّمَةٌ: مَا
رَوَى مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عبد اللَّه والحسن ابني محمد ابن عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ.
وَرَوَى الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أَمَرْتُكُمْ بِالِاسْتِمْتَاعِ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ أَلَا وَإِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخْلِ سَبِيلَهَا وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا»
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مُتْعَةُ النِّسَاءِ حَرَامٌ»
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الثَّلَاثَةُ ذَكَرَهَا الْوَاحِدِيُّ فِي الْبَسِيطِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُسَمَّى اسْتِمْتَاعًا، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ هُوَ التَّلَذُّذُ، وَمُجَرَّدُ النِّكَاحِ لَيْسَ كَذَلِكَ، أَمَّا الْقَائِلُونَ بِإِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ فَقَدِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ.
الْحُجَّةُ الْأُولَى: التَّمَسُّكُ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بهذه الآية طريقان:

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 42
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست