responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 37
وَالْجَوَابُ عَلَى وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ لَا يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْحِلِّ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ، وَهَذَا الْوَجْهُ عِنْدِي هُوَ الْأَصَحُّ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ إِخْبَارٌ عَنْ إِحْلَالِ كُلِّ مَا سِوَى الْمَذْكُورَاتِ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ إِحْلَالَ كُلِّ مَا سِوَى الْمَذْكُورَاتِ وَقَعَ عَلَى التَّأْبِيدِ أَمْ لَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ التَّأْبِيدَ: أَنَّهُ يَصِحُّ تَقْسِيمُ هَذَا الْمَفْهُومِ إِلَى الْمُؤَبَّدِ وَإِلَى غَيْرِ الْمُؤَبَّدِ، فَيُقَالُ تَارَةً: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ/ ذلِكُمْ أَبَدًا، وَأُخْرَى وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ إِلَى الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ صَرِيحًا فِي التَّأْبِيدِ لَمَا كَانَ هَذَا التَّقْسِيمُ مُمْكِنًا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ لَا يُفِيدُ إِلَّا إِحْلَالَ مَنْ سِوَى الْمَذْكُورَاتِ وَصَرِيحُ الْعَقْلِ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْإِحْلَالَ أَعَمُّ مِنَ الْإِحْلَالِ الْمُؤَبَّدِ وَمِنَ الْإِحْلَالِ الْمُؤَقَّتِ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ لَا يُفِيدُ إِلَّا حِلَّ مَنْ عَدَا الْمَذْكُورَاتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَأَمَّا ثُبُوتُ حِلِّهِمْ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ فَاللَّفْظُ سَاكِتٌ عَنْهُ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَقَدْ كَانَ حِلُّ مَنْ سِوَى الْمَذْكُورَاتِ ثَابِتًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَطَرَيَانُ حُرْمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا لِذَلِكَ النَّصِّ وَلَا نَسْخًا لَهُ، فَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ مَعْقُولٌ مُقَرَّرٌ. وَبِهَذَا الطَّرِيقِ نَقُولُ أَيْضًا: إِنَّ قَوْلَهُ:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النِّسَاءِ: 23] لَيْسَ نَصًّا فِي تَأْبِيدِ هَذَا التَّحْرِيمِ، وَإِنَّ ذَلِكَ التَّأْبِيدَ إِنَّمَا عَرَفْنَاهُ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا مِنْ هَذَا اللَّفْظِ، فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْآيَةِ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَكَوْنُهُمَا أُخْتَيْنِ يُنَاسِبُ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لِأَنَّ الْأُخْتِيَّةَ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ، وَالْقَرَابَةُ الْقَرِيبَةُ تُنَاسِبُ مَزِيدَ الْوُصْلَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالْكَرَامَةِ، وَكَوْنُ إِحْدَاهُمَا ضَرَّةَ الْأُخْرَى يُوجِبُ الْوَحْشَةَ الْعَظِيمَةَ وَالنَّفْرَةَ الشَّدِيدَةَ، وَبَيْنَ الْحَالَتَيْنِ مُنَافَرَةٌ عَظِيمَةٌ، فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَهَا أُخْتًا لَهَا يُنَاسِبُ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ ذِكْرَ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ له، يدل بحسب اللفظ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ [النساء: 23] يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ مَانِعَةً مِنَ الْجَمْعِ فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، فَكَانَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْأُخْتَيْنِ مَذْكُورًا فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ مِنْ طريق الدلالة، بل هاهنا أَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ يُشْبِهَانِ الْأُمَّ لِبِنْتِ الْأَخِ وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ، وَهُمَا يُشْبِهَانِ الْوَلَدَ لِلْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَاقْتِضَاءُ مِثْلِ هَذِهِ الْقَرَابَةِ لِتَرْكِ الْمُضَارَّةِ أَقْوَى مِنِ اقْتِضَاءِ قَرَابَةِ الْأُخْتِيَّةِ لِمَنْعِ الْمُضَارَّةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مَانِعًا مِنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. الثَّانِي: أَنَّهُ نَصَّ عَلَى حُرْمَةِ التَّزَوُّجِ بِأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ فقال: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ [النساء: 23] وَلَفْظُ الْأُمِّ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، أَمَّا عَلَى الْعَمَّةِ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ مُخْبِرًا عَنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ [الْبَقَرَةِ: 133] فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْأَبِ عَلَى إِسْمَاعِيلَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ عَمًّا، وَإِذَا كَانَ الْعَمُّ أَبًا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْعَمَّةُ أُمًّا، وَأَمَّا إِطْلَاقُ لَفْظِ الْأُمِّ عَلَى الْخَالَةِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ [يُوسُفَ: 100] وَالْمُرَادُ أَبُوهُ وَخَالَتُهُ، فَإِنَّ أُمَّهُ كَانَتْ مُتَوَفَّاةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَثَبَتَ بِمَا/ ذَكَرْنَا أَنَّ لَفْظَ الْأُمِّ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ مُتَنَاوِلًا لِلْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ الْمُرَادُ مَا وَرَاءَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورَاتِ سواء كن

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 37
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست