responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 34
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّه عَلَيْهِ: الثَّيِّبُ الذِّمِّيُّ إِذَا زَنَى يُرْجَمُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ:
لَا يُرْجَمُ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَصَلَ الزِّنَا مَعَ الْإِحْصَانِ وَذَلِكَ عِلَّةٌ لِإِبَاحَةِ الدَّمِ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ إِبَاحَةُ الدَّمِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الرَّجْمِ. أَمَّا قَوْلُنَا: حَصَلَ الزِّنَا مَعَ الْإِحْصَانِ، فَهَذَا يَعْتَمِدُ إِثْبَاتَ قَيْدَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حُصُولُ الزِّنَا وَلَا شَكَّ فِيهِ. الثَّانِي: / حُصُولُ الْإِحْصَانِ وَهُوَ حَاصِلٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمُحْصَنَةِ: الْمُزَوَّجَةُ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ مُزَوَّجَةٌ فَهِيَ مُحْصَنَةٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ حَصَلَ الزِّنَا مَعَ الْإِحْصَانِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الزِّنَا مَعَ الْإِحْصَانِ عِلَّةٌ لِإِبَاحَةِ الدَّمِ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امرئ مسلم الا لا حدى مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ»
وَمِنْهَا
قَوْلُهُ: «وَزِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ»
جَعَلَ الزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ عِلَّةً لِإِبَاحَةِ الدَّمِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَالْمُسْلِمُ مَحَلٌّ لِهَذَا الْحُكْمِ، أَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ مُجَرَّدُ الزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَامَ التَّعْلِيلِ إِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ. أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ حَكَمَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، أَنَّ الزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ عِلَّةٌ لِإِبَاحَةِ الدَّمِ، إِلَّا أَنَّ كَوْنَهُ مُسْلِمًا مَحَلُّ الْحُكْمِ، وَخُصُوصُ مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّعْدِيَةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَإِلَّا لَبَطَلَ الْقِيَاسُ بِالْكُلِّيَّةِ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ مَا دَخَلَ عليه لا م التَّعْلِيلِ، وَهِيَ مَاهِيَّةُ الزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ، وَهَذِهِ الْمَاهِيَّةُ لَمَّا حَصَلَتْ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ الذِّمِّيِّ، وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ فِي حَقِّهِ إِبَاحَةُ الدَّمِ، فثبت أنه مباح الدم. ثم هاهنا طَرِيقَانِ: إِنْ شِئْنَا اكْتَفَيْنَا بِهَذَا الْقَدْرِ، فَإِنَّا نَدَّعِي كَوْنَهُ مُبَاحَ الدَّمِ وَالْخَصْمُ لَا يَقُولُ به، فصار محجوجا، أَوْ نَقُولُ: لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الرَّجْمِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ إِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ مُحْصَنٌ، فَهَهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ، وَهُوَ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَشْرَكَ باللَّه فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» .
قُلْنَا: ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ مُحْصَنٌ، وَثَبَتَ بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ، فَنَقُولُ: إِنَّهُ مُحْصَنٌ بمعنى أنه ذات زَوْجٍ، وَغَيْرُ مُحْصَنٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَقَوْلُهُ: مَنْ أَشْرَكَ باللَّه فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، لَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ عَلَى الزِّنَا، لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِوَصْفِ الشِّرْكِ وَذَلِكَ جِنَايَةٌ، وَالْمَذْكُورُ عَقِيبَ الْجِنَايَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً، وَقَوْلُنَا: إِنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً، أَمَّا قَوْلُنَا: لَا يُحَدُّ عَلَى الزِّنَا، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لَهُ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ أَشْرَكَ باللَّه فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ مَا ذَكَرْنَاهُ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي قَوْلِهِ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمُرَادُ مِنْهَا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَفِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حُرِّمَتْ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا، إِلَّا إِذَا صَارَتْ مِلْكًا لِإِنْسَانٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْمَالِكِ، الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِمِلْكِ اليمين هاهنا مِلْكُ النِّكَاحِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ إِلَّا إِذَا مَلَكْتُمُوهُنَّ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بَعْدَ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الزَّجْرُ عَنِ الزِّنَا وَالْمَنْعُ مِنْ وَطْئِهِنَّ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةً، وَعَبَّرَ عَنْ/ ذَلِكَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ حَاصِلٌ فِي النِّكَاحِ وَفِي الْمِلْكِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ هاهنا بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء: 25] ذكر هاهنا الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ كان المراد بالمحصنات هاهنا مَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَاكَ،

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 34
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست