responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 24
الْجَنَّةِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ هَذَا النَّسْلُ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ فَقَطْ، وَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ. وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ السَّبَبَ لِهَذَا التَّحْرِيمِ: أَنَّ الْوَطْءَ إِذْلَالٌ وَإِهَانَةٌ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَحِي مِنْ ذِكْرِهِ وَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الْخَالِي، وَأَكْثَرُ أَنْوَاعِ الشَّتْمِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِذِكْرِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَجَبَ صَوْنُ الْأُمَّهَاتِ عَنْهُ لِأَنَّ إِنْعَامَ الْأُمِّ عَلَى الْوَلَدِ أَعْظَمُ وُجُوهِ الْإِنْعَامِ، فَوَجَبَ صَوْنُهَا عَنْ هَذَا الْإِذْلَالِ، وَالْبِنْتُ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ وَبَعْضٍ مِنْهُ،
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي»
فَيَجِبُ صَوْنُهَا عَنْ هَذَا الْإِذْلَالِ، لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مَعَهَا تَجْرِي مَجْرَى الْإِذْلَالِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْبَقِيَّةِ واللَّه أَعْلَمُ. وَلْنَشْرَعِ الْآنَ فِي التَّفَاصِيلِ فَنَقُولُ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ: الْأُمَّهَاتُ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: الْأُمَّهَاتُ جَمْعُ الْأُمِّ وَالْأُمُّ فِي الْأَصْلِ أُمَّهَةٌ فَأُسْقِطَ الْهَاءُ فِي التَّوْحِيدِ قَالَ الشَّاعِرُ:
أُمَّهَتِى خِنْدِفُ وَالْيَاسُ أَبِي
وَقَدْ تُجْمَعُ الْأُمُّ عَلَى أُمَّاتٍ بِغَيْرِ هَاءٍ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قَالَ الرَّاعِي:
/ كَانَتْ نَجَائِبُ مُنْذِرٍ وَمُحَرِّقٍ ... أُمَّاتُهُنَّ وَطَرْقُهُنَّ فَحِيَلَا
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كُلُّ امْرَأَةٍ رَجَعَ نَسَبُكَ إِلَيْهَا بِالْوِلَادَةِ مِنْ جِهَةِ أَبِيكَ أَوْ مِنْ جِهَةِ أُمِّكَ بِدَرَجَةٍ أَوْ بِدَرَجَاتٍ، بِإِنَاثٍ رَجَعْتَ إِلَيْهَا أَوْ بِذُكُورٍ فهي أمك. ثم هاهنا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأُمِّ لَا شَكَّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْأُمِّ الْأَصْلِيَّةِ، فَأَمَّا فِي الْجَدَّاتِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، فَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْأُمِّ حَقِيقَةً فِي الْأُمِّ الأصيلة وَفِي الْجَدَّاتِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظًا مُتَوَاطِئًا أَوْ مُشْتَرَكًا، فَإِنْ كَانَ لَفْظًا مُتَوَاطِئًا أَعْنِي أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْأُمِّ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْأُمِّ الْأَصْلِيَّةِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْجَدَّاتِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ نَصًّا فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ الْأَصْلِيَّةِ وَفِي تَحْرِيمِ جَمِيعِ الْجَدَّاتِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ لَفْظُ الْأُمِّ مُشْتَرَكًا فِي الْأُمِّ الْأَصْلِيَّةِ وَفِي الْجَدَّاتِ، فَهَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ هَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا مَعًا أم لا؟ فمن جوزه حمل اللفظ هاهنا عَلَى الْكُلِّ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَحْرِيمُ الْجَدَّاتِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ، فَالْقَائِلُونَ بِذَلِكَ لهم طريقا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَفْظَ الْأُمِّ لا شك أنه أريد به هاهنا الْأُمُّ الْأَصْلِيَّةُ، فَتَحْرِيمُ نِكَاحِهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ نِكَاحِ الْجَدَّاتِ فَغَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ هَذَا النَّصِّ، بَلْ مِنَ الْإِجْمَاعِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى تَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَرَّتَيْنِ، يُرِيدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَفْهُومًا آخَرَ، أَمَّا إِذَا قُلْنَا: لَفْظُ الْأُمِّ حَقِيقَةٌ فِي الْأُمِّ الْأَصْلِيَّةِ، مَجَازٌ فِي الْجَدَّاتِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا، وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الطَّرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا إِذَا كَانَ لَفْظُ الْأُمِّ حَقِيقَةً فِي الْأُمِّ الْأَصْلِيَّةِ، وَفِي الْجَدَّاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِأُمِّهِ وَدَخَلَ بِهَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه لَا يَلْزَمُهُ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أن وجود هذا النكاح وعدمه بمثابة واحدة، فَكَانَ هَذَا الْوَطْءُ زِنًا مَحْضًا فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [النُّورِ: 2] إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ وُجُودَ هَذَا النِّكَاحِ وَعَدَمَهُ بِمَثَابَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَقَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ مُرَادَ اللَّه تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْمَوْجُودُ لَيْسَ إِلَّا صِيغَةَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَوْ حَصَلَ هَذَا الِانْعِقَادُ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ حَصَلَ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ وَالْأَوَّلُ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 24
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست