responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 20
عَنْهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مُنْعَقِدًا وَهَذَا هُوَ أَصْلُ مَذْهَبِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ، فَيَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ هَذَا النِّكَاحُ مُنْعَقِدًا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِذَا ثَبَتَ الْقَوْلُ بِالِانْعِقَادِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ. فَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ مِنْ طَرِيقِ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِمْ فِي صِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: عُمُومُ قوله تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [الْبَقَرَةِ: 221] نَهْيٌ عَنْ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ وَمَدَّ النَّهْيَ إِلَى غَايَةٍ وَهِيَ إِيمَانُهُنَّ، وَالْحُكْمُ الْمَمْدُودُ إِلَى غَايَةٍ يَنْتَهِي عِنْدَ حُصُولِ تِلْكَ الْغَايَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَهِيَ الْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِهِنَّ عِنْدَ إِيمَانِهِنَّ، وَإِذَا انْتَهَى الْمَنْعُ حَصَلَ الْجَوَازُ، فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ نِكَاحِهِنَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْعُمُومِ مَزْنِيَّةُ الْأَبِ وَغَيْرُهَا، أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ فِي مَوَاضِعَ يَبْقَى حُجَّةً فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخْصِيصِ. وَكَذَلِكَ نَسْتَدِلُّ بِجَمِيعِ الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى [النُّورِ: 32] وَقَوْلِهِ: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النِّسَاءِ:
3] وَأَيْضًا نَتَمَسَّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ [النساء: 24] وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ قَوْلَهُ:
مَا وَراءَ ذلِكُمْ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى الْمَذْكُورِ السَّابِقِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَذْكُورِ السَّابِقِ قَوْلُهُ: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَجِبُ عَوْدُهُ إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورَاتِ، وَأَقْرَبُ الْمَذْكُورَاتِ إِلَيْهِ هو من قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النساء: 23] فَكَانَ قَوْلُهُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ عَائِدًا إِلَيْهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ قَوْلُهُ: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ وَأَيْضًا نَتَمَسَّكُ بِعُمُومَاتِ الْأَحَادِيثِ
كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ فَزَوِّجُوهُ»
وَقَوْلِهِ: «زَوِّجُوا بَنَاتِكُمُ الْأَكْفَاءَ»
فَكُلُّ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ يَتَنَاوَلُ: مَحَلَّ النِّزَاعِ. وَاعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ جَائِزٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَنَقُولُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، فَلَوْ حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى الْعَقْدِ لَمْ يَلْزَمْنَا إِلَّا مَجَازٌ وَاحِدٌ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ نَحْمِلَ تِلْكَ الْآيَةَ عَلَى حُرْمَةِ النِّكَاحِ يَلْزَمُنَا هَذِهِ التَّخْصِيصَاتُ الْكَثِيرَةُ فَكَانَ التَّرْجِيحُ مِنْ جَانِبِنَا بِسَبَبِ كَثْرَةِ الدَّلَائِلِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ»
أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَطْرَةً مِنَ الْخَمْرِ إِذَا وَقَعَتْ فِي كُوزٍ مِنَ الْمَاءِ فَهَهُنَا الْحَرَامُ حَرَّمَ الْحَلَالَ، وَإِذَا اخْتَلَطَتِ الْمَنْكُوحَةُ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ وَاشْتَبَهَتْ بِهِنَّ، فَهَهُنَا الْحَرَامُ حَرَّمَ الْحَلَالَ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: دُخُولُ التَّخْصِيصِ فِيهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنْ نَقُولَ: الْمُقْتَضِي لِجَوَازِ النِّكَاحِ قَائِمٌ، وَالْفَارِقُ بَيْنَ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ وَبَيْنَ مَحَلِّ النِّزَاعِ ظَاهِرٌ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ، أَمَّا الْمُقْتَضِي فَهُوَ أَنْ يَقِيسَ نِكَاحَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ عَلَى نِكَاحِ سَائِرِ النِّسْوَانِ عِنْدَ حُصُولِ الشَّرَائِطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، بِجَامِعِ مَا فِي النِّكَاحِ مِنَ الْمَصَالِحِ، وَأَمَّا الْفَارِقُ فَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْمَحْرَمِيَّةَ إِنَّمَا حَكَمَ الشَّرْعُ بِثُبُوتِهَا، سَعْيًا فِي إِبْقَاءِ الْوُصْلَةِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِالزِّنَا.
بَيَانُ الْمَقَامِ الْأَوَّلِ: مَنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ، فلو لم يدخل على المرأة أب الرَّجُلِ وَابْنُهُ. وَلَمْ تَدْخُلْ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّ الْمَرْأَةِ وَبِنْتُهَا، لَبَقِيَتِ الْمَرْأَةُ كَالْمَحْبُوسَةِ فِي الْبَيْتِ، وَلَتَعَطَّلَ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ أَكْثَرُ الْمَصَالِحِ وَلَوْ أَذِنَّا فِي هَذَا الدُّخُولِ وَلَمْ نَحْكُمْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ فَرُبَّمَا امْتَدَّ عَيْنُ الْبَعْضِ إِلَى الْبَعْضِ وَحَصَلَ الْمَيْلُ وَالرَّغْبَةُ وَعِنْدَ حُصُولِ التَّزَوُّجِ بِأُمِّهَا أَوِ ابْنَتِهَا تَحْصُلُ النَّفْرَةُ الشَّدِيدَةُ بَيْنَهُنَّ، لِأَنَّ صُدُورَ الْإِيذَاءِ عَنِ الْأَقَارِبِ أَقْوَى وَقْعًا وَأَشَدُّ إِيلَامًا وتأثيرا،

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 20
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست