responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 184
فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ جَرَى مَجْرَى النَّفْسِ وَمَجْرَى سَائِرِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا أَثَرَ لَهَا فِي هَذَا الْوَعِيدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْشَأُ هَذَا الْوَعِيدِ هُوَ كَوْنُهُ قَتْلًا عَمْدًا فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ: أَيْنَمَا حَصَلَ الْقَتْلُ يَحْصُلُ هَذَا الْوَعِيدُ، وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ هَذَا السُّؤَالُ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْوَاحِدِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَارَهُمَا فَهُوَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْوَعِيدَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْخَبَرِ، فَإِذَا جَوَّزَ عَلَى اللَّه الْخُلْفَ فِيهِ فَقَدْ جَوَّزَ الْكَذِبَ عَلَى اللَّه، وَهَذَا خَطَأٌ عَظِيمٌ، بَلْ يَقْرُبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، فَإِنَّ الْعُقَلَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْكَذِبِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا جَوَّزَ الْكَذِبَ عَلَى اللَّه فِي الْوَعِيدِ لِأَجْلِ مَا قَالَ: إِنَّ الْخُلْفَ فِي الْوَعِيدِ كَرَمٌ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ الْخُلْفُ فِي الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ لِغَرَضِ الْمَصْلَحَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ فَتْحَ هَذَا الْبَابِ يُفْضِي إِلَى الطَّعْنِ فِي الْقُرْآنِ وَكُلِّ الشَّرِيعَةِ فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَحَكَى الْقَفَّالُ فِي تَفْسِيرِهِ وَجْهًا آخَرَ، هُوَ الْجَوَابُ وَقَالَ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَزَاءَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ هُوَ مَا ذُكِرَ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ تَعَالَى يُوصِلُ هَذَا الْجَزَاءَ إِلَيْهِ أَمْ لَا، وَقَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: جَزَاؤُكَ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ كَذَا وَكَذَا، إِلَّا أَنِّي لَا أَفْعَلُهُ، وَهَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ جَزَاءَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ هُوَ مَا ذُكِرَ، وَثَبَتَ بِسَائِرِ الْآيَاتِ أَنَّهُ تَعَالَى يُوصِلُ الْجَزَاءَ إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ. قَالَ تَعَالَى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النِّسَاءِ: 123] وَقَالَ: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [غَافِرٍ: 17] وَقَالَ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزَّلْزَلَةِ:
7، 8] بَلْ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُوصِلُ إِلَيْهِمْ هَذَا الْجَزَاءَ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً فَإِنَّ بَيَانَ أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ حَصَلَ بِقَوْلِهِ: فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً إِخْبَارًا عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ تَكْرَارًا، فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ أَنَّهُ تَعَالَى سَيَفْعَلُ لَمْ يَلْزَمِ التَّكْرَارُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى.
وَاعْلَمْ أَنَّا نَقُولُ: هَذِهِ الْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ غَيْرَ عُدْوَانٍ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ هَذَا الْوَعِيدُ الْبَتَّةَ. وَالثَّانِي: الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ إِذَا تَابَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ الْوَعِيدُ، وَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُ التَّخْصِيصِ فِيهِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَنَحْنُ نُخَصِّصُ هَذَا الْعُمُومَ فِيمَا إِذَا حَصَلَ الْعَفْوُ بِدَلِيلِ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاءِ: 48] وَأَيْضًا فَهَذِهِ الْآيَةُ إِحْدَى عُمُومَاتِ الْوَعِيدِ، وَعُمُومَاتُ الْوَعْدِ أَكْثَرُ مِنْ عُمُومَاتِ الْوَعِيدِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي تَرْجِيحِ عُمُومَاتِ الْوَعِيدِ قَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ وَبَيَّنَّا أَنَّ عُمُومَاتِ الْوَعْدِ رَاجِحَةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْبَقَرَةِ: 81] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: تَوْبَةُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا مَقْبُولَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:
الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الْقَتْلِ فَإِذَا قُبِلَتِ التَّوْبَةُ عَنِ الْكُفْرِ فَالتَّوْبَةُ مِنْ هَذَا الْقَتْلِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْفُرْقَانِ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 184
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست