responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 176
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: الْقَتْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ.
أَمَّا الْعَمْدُ: فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُعْلَمُ إِفْضَاءُهُ إِلَى الْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ جَارِحًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا قَوْلٌ الشافعي.
وَأَمَّا الْخَطَأُ فَضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْصِدَ رَمْيَ الْمُشْرِكِ أَوِ الطَّائِرِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا. وَالثَّانِي: أَنْ يَظُنَّهُ مُشْرِكًا بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ شِعَارُ الْكُفَّارِ، وَالْأَوَّلُ خَطَأٌ فِي الْفِعْلِ، وَالثَّانِي خَطَأٌ فِي القصد.
أما شبه العمد: فهو أن يضربه بعصا خفيفة لا تقتل غالبا فيموت منه. قال الشافعي رحمه اللَّه: هذا خطأ في القتل وإن كان عمدا في الضرب.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقَتْلُ بِالْمُثْقَلِ لَيْسَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ، بَلْ هُوَ خَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ، فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَلَا يَجُبْ فِيهِ الْقِصَاصُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: أَنَّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ. أَمَّا بَيَانُ أَنَّهُ قَتْلٌ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ وَكَزَ الْقِبْطِيَّ فَقَضَى عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ ذلك الواكز يُسَمَّى بِالْقَتْلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ حَكَى أَنَّ الْقِبْطِيَّ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ [الْقَصَصِ: 19] وَكَانَ الصَّادِرُ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَمْسِ لَيْسَ إِلَّا الْوَكْزَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقِبْطِيَّ سَمَّاهُ قَتْلًا، وَأَيْضًا أَنَّ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْهِ سَمَّاهُ قَتْلًا حَيْثُ قَالَ:
رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [الْقَصَصِ: 33] وَأَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ قَتْلُ ذَلِكَ الْقِبْطِيِّ بِذَلِكَ الْوَكْزِ، وَأَيْضًا أَنَّ اللَّه تَعَالَى سَمَّاهُ قَتْلًا حَيْثُ قَالَ: وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه: 40] فَثَبَتَ أَنَّ الْوَكْزَ قَتْلٌ بِقَوْلِ الْقِبْطِيِّ وَبِقَوْلِ مُوسَى وَبِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى، وَأَمَّا الْخَبَرُ
فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ»
فَسَمَّاهُ قَتْلًا، فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ أَنَّهُ حَصَلَ الْقَتْلُ، وَأَمَّا أَنَّهُ عَمْدٌ فَالشَّاكُّ فِيهِ دَاخِلٌ فِي السَّفْسَطَةِ فَإِنَّ مَنْ ضَرَبَ رَأْسَ إِنْسَانٍ بِحَجَرِ الرَّحَا، أَوْ صَلَبَهُ أَوْ غَرَّقَهُ، أَوْ خَنَقَهُ ثُمَّ قَالَ: مَا قَصَدْتُ بِهِ قَتْلَهُ كَانَ ذَلِكَ إِمَّا كَاذِبًا أَوْ مَجْنُونًا، وَإِمَّا أَنَّهُ عُدْوَانٌ فَلَا يُنَازِعُ فِيهِ مُسْلِمٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ قَتْلٌ عَمْدٌ عُدْوَانٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ.
أَمَّا النَّصُّ: فَهُوَ جَمِيعُ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ، كَقَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى [الْبَقَرَةِ: 178] وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [الْمَائِدَةِ: 45] وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [الْإِسْرَاءِ: 33] وَجَزاءُ/ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشُّورَى: 40] فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَةِ: 194] .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْقِصَاصِ صِيَانَةُ النُّفُوسِ وَالْأَرْوَاحِ عَنِ الْإِهْدَارِ. قَالَ تَعَالَى:
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [الْبَقَرَةِ: 179] وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْقِصَاصِ صِيَانَةُ النُّفُوسِ وَالْأَرْوَاحِ عَنِ الْإِهْدَارِ، وَالْإِهْدَارُ مِنَ الْمُثْقَلِ كَهُوَ فِي الْمُحَدَّدِ كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ كَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فِي نَفْسِ الْإِهْدَارِ، إِنَّمَا التَّفَاوُتُ حَاصِلٌ فِي آلَةِ الْإِهْدَارِ، وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ حَاصِلٌ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالْكَلَامُ فِي الْفِقْهِيَّاتِ إِذَا وَصَلَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ الْقُصْوَى فِي التَّحْقِيقِ لِمَنْ تَرَكَ التَّقْلِيدَ، وَاحْتَجُّوا
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ»

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 176
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست