responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 154
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ هُمْ أُولَئِكَ الْمُنَافِقُونَ الْمُذِيعُونَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الْمُذِيعِينَ رَدُّوا أمر الْأَمْنَ وَالْخَوْفَ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ، وَطَلَبُوا مَعْرِفَةَ الْحَالِ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْمُذِيعُونَ مِنْهُمْ، أَيْ مِنْ جَانِبِ الرَّسُولِ وَمِنْ جَانِبِ أُولِي الْأَمْرِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ لَكَانَ عِلْمُهُ حَاصِلًا عِنْدَ مَنْ يَسْتَنْبِطُ هَذِهِ الْوَقَائِعَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أُولِي الْأَمْرِ فَرِيقَانِ، بَعْضُهُمْ مَنْ يَكُونُ مُسْتَنْبِطًا، وَبَعْضُهُمْ مَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، فَقَوْلُهُ: مِنْهُمْ يَعْنِي لِعِلْمِهِ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ الْمَخْفِيَّاتِ مِنْ طَوَائِفِ أُولِي الْأَمْرِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الَّذِينَ أَمَرَهُمُ اللَّه بَرَدِّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَكَيْفَ جَعَلَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ.
قُلْنَا: إِنَّمَا جَعَلَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ عَلَى حَسَبِ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ [النساء: 72] وَقَوْلُهُ: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النِّسَاءِ: 66] واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ فِي الشَّرْعِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ صِفَةٌ لِأُولِي الْأَمْرِ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى عَلَى الَّذِينَ يَجِيئُهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَنْ يرجعوا في معرفته إليهم، ولا يخلو إِمَّا أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِمْ فِي مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْوَقَائِعِ مَعَ حُصُولِ النَّصِّ فِيهَا، أَوْ لَا مَعَ حُصُولِ النَّصِّ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَبْقَى الِاسْتِنْبَاطُ لِأَنَّ مَنْ رَوَى النَّصَّ فِي وَاقِعَةٍ لَا يُقَالُ: أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ الْحُكْمَ، فَثَبَتَ أَنَّ اللَّه أَمَرَ الْمُكَلَّفَ بِرَدِّ الْوَاقِعَةِ إِلَى مَنْ يَسْتَنْبِطُ الْحُكْمَ فِيهَا، وَلَوْلَا أَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ حُجَّةٌ لَمَا أَمَرَ الْمُكَلَّفَ بِذَلِكَ، فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ حُجَّةٌ، وَالْقِيَاسُ إِمَّا اسْتِنْبَاطٌ أَوْ دَاخِلٌ فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً. إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ مَا لَا يُعْرَفُ بِالنَّصِّ بَلْ بِالِاسْتِنْبَاطِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ حُجَّةٌ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْعَامِّيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعُلَمَاءِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُكَلَّفًا بِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالرَّدِّ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يُخَصِّصْ أُولِي الْأَمْرِ بِذَلِكَ دُونَ الرَّسُولِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ كُلُّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالِاسْتِنْبَاطِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بقوله: الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ هم أولوا الْأَمْرِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُمُ الْمُنَافِقُونَ الْمُذِيعُونَ عَلَى مَا رَوَيْتُمْ هَذَا الْقَوْلَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ أُولُو الْأَمْرِ لَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْوَقَائِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحُرُوبِ وَالْجِهَادِ، فَهَبْ أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الِاسْتِنْبَاطِ جَائِزٌ فِيهَا، فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّهُ يَلْزَمُ جَوَازُهُ فِي الْوَقَائِعِ الشَّرْعِيَّةِ؟ فَإِنْ قِيسَ أَحَدُ الْبَابَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَانَ ذَلِكَ إِثْبَاتًا لِلْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، سَلَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ دَاخِلٌ تَحْتَ الْآيَةِ فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ حُجَّةً؟ بَيَانُهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ اسْتِخْرَاجَ الْأَحْكَامِ مِنَ النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ أَوْ مِنْ تَرْكِيبَاتِ النُّصُوصِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنِ اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، أَوْ مِمَّا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْعَقْلِ كَمَا يقول

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 154
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست