responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 136
الْجَنَّةَ إِلَّا وَهُوَ دَاخِلٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ النُّعُوتِ وَالصِّفَاتِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : فِيهِ مَعْنَى التَّعْجِيبِ. كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا أَحْسَنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الرِّفْقُ فِي اللُّغَةِ لِينُ الْجَانِبِ وَلَطَافَةُ الْفِعْلِ، وَصَاحِبُهُ رَفِيقٌ. هَذَا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ الصَّاحِبُ يُسَمَّى رفيقا لا لِارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: إِنَّمَا وَحَّدَ الرَّفِيقَ وَهُوَ صِفَةٌ لِجَمْعٍ، لِأَنَّ الرَّفِيقَ وَالرَّسُولَ وَالْبَرِيدَ تَذْهَبُ بِهِ الْعَرَبُ إِلَى الواحد وإلى الجمع قال تعالى: نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
[الشُّعَرَاءِ: 16] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ:
حَسُنَ أُولَئِكَ رَجُلًا، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا إِنَّمَا يَجُوزُ فِي الِاسْمِ الَّذِي يَكُونُ صِفَةً، أَمَّا إِذَا كَانَ اسْمًا مُصَرَّحًا مِثْلَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَجَوَّزَ الزَّجَّاجُ ذَلِكَ فِي الِاسْمِ أَيْضًا وَزَعَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً أَيْ حَسُنَ كُلُّ واحد منهم رفيقا، كما قال: يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [غَافِرٍ: 67] .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: رَفِيقاً نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَقِيلَ عَلَى الْحَالِ: أَيْ حَسُنَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ رَفِيقًا.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِيمَنْ أَطَاعَ اللَّه وَرَسُولَهُ أَنَّهُ يَكُونُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، ثُمَّ لَمْ يَكْتَرِثْ بِذَلِكَ، بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَكُونُ رَفِيقًا لَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّفِيقَ هُوَ الَّذِي يُرْتَفَقُ بِهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَبَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُطِيعِينَ يَرْتَفِقُونَ بِهِمْ، وَإِنَّمَا يَرْتَفِقُونَ بِهِمْ إِذَا نَالُوا مِنْهُمْ رِفْقًا وَخَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا كَيْفِيَّةَ هَذَا الِارْتِفَاقِ، وَأَمَّا عَلَى حَسَبِ الظَّاهِرِ فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ مَعَ غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ رَفِيقًا لَهُ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ عَظِيمَ الشَّفَقَةِ عَظِيمَ الِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ كَانَ رَفِيقًا لَهُ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ يَكُونُونَ لَهُ كَالرُّفَقَاءِ مِنْ شِدَّةِ مَحَبَّتِهِمْ لَهُ وَسُرُورِهِمْ بِرُؤْيَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ذلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ وَصْفِ الثَّوَابِ، فَلَمَّا حَكَمَ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ فَضْلٌ مِنَ اللَّه دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى اللَّه، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: الْقُدْرَةُ عَلَى الطَّاعَةِ إِنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلطَّاعَةِ، فَخَالِقُ تِلْكَ الْقُدْرَةِ هُوَ الَّذِي أَعْطَى الطَّاعَةَ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ مُوجِبًا عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلْمَعْصِيَةِ أَيْضًا لَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُ الطَّاعَةِ عَلَى جَانِبِ الْمَعْصِيَةِ إِلَّا بخلق الداعي إلى الداعي، وَيَصِيرُ مَجْمُوعُ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي مُوجِبًا لِلْفِعْلِ، فَخَالِقُ هَذَا الْمَجْمُوعِ هُوَ الَّذِي أَعْطَى الطَّاعَةَ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ مُوجِبًا عَلَيْهِ/ شَيْئًا. الثَّانِي: نِعَمُ اللَّه عَلَى الْعَبْدِ لَا تُحْصَى وَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلطَّاعَةِ وَالشُّكْرِ، وَإِذَا كَانَتِ الطَّاعَاتُ تَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ النِّعَمِ السَّالِفَةِ امْتَنَعَ كَوْنُهَا مُوجِبَةً لِلثَّوَابِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْوُجُوبَ يَسْتَلْزِمُ اسْتِحْقَاقَ الذَّنْبِ عِنْدَ التَّرْكِ، وَهَذَا الِاسْتِحْقَاقُ يُنَافِي الْإِلَهِيَّةِ، فَيَمْتَنِعُ حُصُولُهُ فِي حَقِّ الْإِلَهِ تَعَالَى، فَثَبَتَ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ كَمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ كُلَّهُ فَضْلٌ مِنَ اللَّه تَعَالَى، فَالْبَرَاهِينُ الْعَقْلِيَّةُ الْقَاطِعَةُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الثَّوَابُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ إِطْلَاقُ اسْمِ الْفَضْلِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الثَّوَابَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى كَلَّفَهُ وَالتَّكْلِيفُ تَفَضُّلٌ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَعْطَى الْعَقْلَ وَالْقُدْرَةَ وَأَزَاحَ الْأَعْذَارَ وَالْمَوَانِعَ حَتَّى تَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَةِ، فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَهَبَ لِغَيْرِهِ ثَوْبًا كَيْ يَنْتَفِعَ بِهِ، فَإِذَا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 136
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست