responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 118
عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ يَقْتَضِي وُجُوبَ طَاعَةِ جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْأُمَّةِ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا حَصَلَ بَعْدَ الْخِلَافِ وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ حُجَّةً.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ انْقِرَاضَ أَهْلِ الْعَصْرِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ؟ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ الْمُجْمِعِينَ، وَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ مَا إِذَا انْقَرَضَ الْعَصْرُ وَمَا إِذَا لَمْ يَنْقَرِضْ.
الْفَرْعُ الرَّابِعُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِإِجْمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ لأنه تعالى قال في أول الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ قَالَ: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِإِجْمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمَّا سَائِرُ الْفِرَقِ الَّذِينَ يُشَكُّ فِي إِيمَانِهِمْ فَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ، فَنَقُولُ: كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، فَكَذَلِكَ دَلَّتْ عَلَى مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ فُرُوعِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَهَا:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ مَعْنَاهُ فَرُدُّوهُ إِلَى وَاقِعَةٍ بَيَّنَ اللَّه حُكْمَهَا، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَرُدُّوهَا إِلَى وَاقِعَةٍ تُشْبِهُهَا، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِرَدِّهَا رَدَّهَا إِلَى وَاقِعَةٍ تَخَالِفُهَا فِي الصُّورَةِ وَالصِّفَةِ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ رَدُّهَا إِلَى بَعْضِ الصُّوَرِ أَوْلَى مِنْ رَدِّهَا إِلَى الْبَاقِي، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ الرَّدُّ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: فَرُدُّوهَا إِلَى وَاقِعَةٍ تُشْبِهُهَا فِي الصُّورَةِ وَالصِّفَةِ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَاهُ يُؤَكَّدُ بِالْخَبَرِ وَالْأَثَرِ، أَمَّا الْخَبَرُ
فَإِنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ»
يَعْنِي الْمَضْمَضَةَ مُقَدِّمَةَ الْأَكْلِ، كَمَا أَنَّ الْقُبْلَةَ مُقَدِّمَةُ الْجِمَاعِ، فَكَمَا أَنَّ تِلْكَ الْمَضْمَضَةَ لَمْ تَنْقُضِ الصَّوْمَ، فَكَذَا الْقُبْلَةُ.
وَلَمَّا سَأَلَتْهُ الْخَثْعَمِيَّةُ عَنِ الْحَجِّ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ هَلْ يُجْزِي فَقَالَتْ نَعَمْ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فَدَيْنُ اللَّه أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ»
وَأَمَّا الْأَثَرُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: اعْرِفِ الْأَشْبَاهَ وَالنَّظَائِرَ وَقِسِ الْأُمُورَ بِرَأْيِكَ، فَدَلَّ مَجْمُوعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ وَدَلَالَةِ الْخَبَرِ وَدَلَالَةِ الْأَثَرِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:
فَرُدُّوهُ أَمْرٌ بِرَدِّ الشَّيْءِ إِلَى شَبِيهَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَدْ جَعَلَ اللَّه الْمُشَابَهَةَ فِي الصُّورَةِ وَالصِّفَةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ مُشَابِهٌ لِلْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه قِيَاسَ الْأَشْبَاهِ، وَيُسَمِّيهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ قِيَاسَ الطَّرْدِ، وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: فَرُدُّوهُ هُوَ أَنَّهُ رُدُّوهُ إِلَى شَبِيهِهِ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَصْلَ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْقِيَاسِ مَحْضُ الْمُشَابَهَةِ، وَهَذَا بَحْثٌ فِيهِ طُولٌ، وَمُرَادُنَا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ اسْتِنْبَاطِ الْمَسَائِلِ مِنَ الْآيَاتِ، فَأَمَّا الِاسْتِقْصَاءُ فِيهَا فَمَذْكُورٌ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ.
الْفَرْعُ الثَّانِي: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا نَصٌّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ مُشْعِرٌ بِهَذَا الِاشْتِرَاطِ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْوَاقِعَةِ نَصٌّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ جَازَ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِيهِ كَيْفَ كَانَ، وَبَطَلَ بِهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي الْكَفَّارَاتِ/ وَالْحُدُودِ وَغَيْرِهِمَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ عَامٌّ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 118
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست